عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

ندمت كثيراً، لأننى لم أزور المحرقة اليهودية عندما كنت فى ألمانيا، وللصدق، خضعت، وقتها لضغوط بعض الزملاء الصحفيين العرب (الحنجوريين)، الذين اتفقوا على عدم الذهاب لموقع المحرقة، بدعوى تفويت الفرصة على إسرائيل لاستغلالها إعلامياً!!..ولكن الحقيقة كان يجب زيارتها فإن استدعاء حوادث التاريخ، والاقتراب من كل تفاصيلها من أماكن ووقائع وشخصيات يساعد على الكشف عن الحقائق التاريخيّة وملابساتها والتثبت من صحّة الماضى ودقته حتى يمكن استيعاب الحاضر والتنبؤ بما يمكن أن يحدث فى المستقبل.. ولهذا كان الندم!

ولو كان من الممكن، العودة إلى مكان اجتماع يوم الخميس (8 ربيع الأول11 هجري)، فى منزل الرسول الكريم، عند السيدة عائشة، وإعادة تمثيل ما جرى قبل أربعة أيام من وفاة رسول الله، وشاهدنا السجال، كما لو كان بثاً مباشراً، بين بعض الصحابة الذين انقسموا ما بين قبول ورضا، أو رفض وتردد أو امتناع (سمها كما تريد) للاستجابة إلى طلب الرسول بأن يكتب كتاباً، حتى لا يضلوا من بعده.. أعتقد أن إعادة تمثيل هذه المناقشة سيكشف الكثير من حقيقة هذه الواقعة، ووقائع أخرى سبقتها.. كانت وراء هذا الاقتتال المريع بين السنة والشيعة لأكثر من 1400 سنة، وربما كانت ستساعد فى فهم ما يجرى فى الحاضر ومعرفة مصيره فى المستقبل!

والسؤال المهم.. كيف يمكن أن ينتهى هذا الصراع؟.. ربما الإجابة سبقتنا إليها شعوب أخرى، فلسنا الوحيدين فى البشرية، الذين عانوا من الصراعات الدينية المذهبية، ولكن من المؤكد أننا نتفرد بصراعاتنا التى لا تنتهى أبداً.. فقد عاشت دول وسط أوروبا (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، وهولندا حالياً) بين عامى (1618 و1648) فى حرب دينية دموية راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء باسم الدين، عرفت باسم حرب الثلاثين عاماً، فقد جرى الصراع بين مذهبى المسيحية، الكاثوليكية، والبروتستانتية.. حيث كانت الكاثوليكية تمثل الكنائس التى تقرّ بسيادة وقدسية البابا الذى يمتلك الشفاعة والغفران للبشر عند الله تعالي، بينما مذهب البروتستانت، يعتبر أن السيد المسيح هو الشفيع الوحيد بين الله والبشر، ولا يعتقد بشفاعة البابا أو القديسين، ويعود تأسيس هذا المذهب إلى الراهب مارتن لوثر، الذى حاول القيام بحركة إصلاحية فى الكنيسة الكاثوليكية فاصطدم مع قياداتها، وانفصل عنها وأسس كنائس مستقلة عرفت بالكنائس الإنجيلية أو البروتستانتية، ودخل فى الصراع مذهب بروتستانتى آخر، يعود تأسيسه للمصلح الفرنسى جون كالفن، الذى اعتبر الكتاب المقدس هو المرجعية الأولى التى يجب أن تخضع لها السلطات الدنيوية (السياسية).

وقد انتهى هذا الصراع بالسياسة وليس بالدين.. بسيادة الدولة لا بسلطة الكنيسة، وبحكم الملوك لا بقدسية البابا، وعندما هبطوا بالقوانين من السماء إلى الأرض، ورفعوا الدساتير التى تحكم فوق الجميع، وخلعوا القداسة عن الحكام، وألبسوها للشعوب.. وآمن الكل بالعلم كمنهج للتفكير والعمل والابتكار، مع الالتزام بالقيم والأخلاق النابعة من الدين.. ولذلك لا سبيل لإنهاء الصراع الدموى المذهبى بين السنة والشيعة الذى بدأ دينياً على استحياء، وتخفى فى عباءة آل البيت والصحابة، ثم أصبح سياسياً، وصراعاً على السلطة بصورة علنية مفضوحة، وبلا خجل حتى الآن.. إلا بسيادة القانون وبدولة المؤسسات، وبالعلم والمعرفة والإبداع، وبحرية الفكر والتفكير والعقيدة.. دون ذلك ستظل الحرب، وسنظل فى التخلف، 1400 سنة أخرى!!

 

[email protected]