عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى نهاية التسعينات، اجتمعت مع الفنان يوسف شعبان وكان نقيباً للممثلين وقتها، لإنهاء الخلاف مع الفنانة عبدالغفار عودة، النقيب الذى سبقه وكانت بينهما خلافات شديدة ووصلت إلى المحاكم، وكان للقضايا التى بينهما تأثير بالغ على أعمال النقابة، وكان حاضراً يومها الزميل الكاتب الصحفى أحمد كمال الدين، الله يرحمه، فى «الوفد» والمخرج الراحل صلاح السقا وممثل «لن أذكر اسمه حفاظاً على كرامته»، نصف معروف وكاد يومها أن يبكى فى كل مرة ينتهز فيها الفرصة للكلام، فقد كان كل همه طوال الجلسة أن تنتهى الخلافات بين المتخاصمين، وهو يتوسل أن يتعاونا لإيجاد حلول لبطالة أعداد كبيرة من الممثلين الذين اقترب عدد كبير منهم للتسول حتى يتمكنوا من الإنفاق على أطفالهم وأسرهم، وجلس يشكو من بطالته شخصياً.. ولا أعرف ما مصيره الآن، ولا كيف وصل به الحال، وهو حى يرزق لم أره فى عمل واحد منذ أكثر من عشر سنوات على الأقل.. ولا أعرف أيضًا ماذا فعلت النقابة له وللمئات من زملائه الفنانين الذين يتساقطون الواحد تلو الآخر من شدة الفقر والمرض؟!

تذكرت هذا الاجتماع بمناسبة المشاركة الجماعية والمجانية للفنانين النجوم فى إعلانات الجمعيات الخيرية لتشجيع الجمهور «الذى يحبهم» للتبرع لهذه الجمعيات وهى عادة تكرر كل علم فى شهر رمضان وفى بعض أوقات السنة حسب احتياج هذه الجمعيات للتبرعات.. ولا شك أن هذه الظاهرة التى يزيد عدد الفنانين النجوم كل سنة تعود بالمكاسب الكثيرة على الفنانين والجمعيات معاً، لكن من المؤكد أن الخاسر الوحيد فى هذه الحكاية الجمهور لأنه يثق فى نجومه ويدفع الملايين مرتين.. مرة للفنانين لمشاهدتهم فى أعمالهم الفنية، ومرة للتبرع بما تبقى معه لهذه الجمعيات!

وأعتقد أن الفنانين يشعرون بالراحة النفسية وبراحة الضمير أيضًا كلما زاد اشتراكهم مجاناً فى جمع التبرعات لهذه الجمعيات لأنهم يبذلون من وقتهم ويتبرعون بجهدهم لأداء عمل إنسانى مجانى يوماً واحداً فى السنة من 365 يوماً، ويحمدون الله الذى قدرهم على فعل الخير مجاناً ولا أعرف إذا كان الدافع وراء مشاركتهم فى هذه الإعلانات زيادة فى الإيمان، أم زيادة فى وضع العود فى عيون الحاسدين لمكاسبهم التى بالملايين، ويخلصون بالمرة من القرّ عليهم. ويعتبرون هذا اليوم بمثابة الخرزة الزرقاء لإبعاد العين عنهم وعن ملايينهم!

وبالطبع لست ضد هذه المشاركات البلاش من الفنانين، ولست ضد تحمل مسئولياتهم الاجتماعية تجاه جمهورهم، فمن المؤكد أن كل هذا الجمهور الذى تعالجه وتطمعه وتكسيه هذه الجمعيات هم فى الحقيقة جمهور هؤلاء الفنانين، ولكن من المفروض ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع، وإذا كانت ممثلة بحجم وقيمة وتاريخ الفنانة مديحة يسرى، تضطرها الظروف المادية إلى الصراخ فى الصحافة للعلاج على نفقة الدولة بعد أن طلب منها المستشفى الذى كانت تعالج فيه مبالغ كبيرة وظروفها المادية لا تسمح بدفعها، فتنذرها إدارة المستشفى بالدفع أو المغادرة والفنانة مديحة يسرى ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة فقبلها العشرات من الفانين الذين باعوا كل ما يمتلكون حتى أثاث منازلهم للعلاج أو لكفاية احتياجاتهم المعيشية اليومية من أكل وشرب.

والغريب والمدهش والمحزن أن الفنان عبدالغفار عودة المخرج والممثل الذى وصلت الخلافات بينه وبين نقيب الممثلين إلى المحاكم لم تنته إلا بوفاته عن عمر يناهز 62 عاماً، وكان وقتها مستشاراً لوزير الثقافة، وغيبه الموت بعد صراع مع مرض الفشل الكلوى، كان يحتاج إلى 70 ألف جنيه لنفقات علاجه، وهو لا يمتلكها بعد أكثر من 40 عاماً من العمل بالفن وموظفاً فى وزارة الثقافة، وأعتقد أن الدكتور أشرف زكى، نقيب المهن التمثيلية الحالى، كان فى ذلك الوقت سكرتير عام النقابة وكان يجرى فى دهاليز وزارة الصحة للحصول على موافقتها للمساهمة بمبلغ 40 ألف جنيه بعد أن قرر الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة فى ذلك الوقت بصرف مبلغ 30 ألف جنيه وكان هذا المبلغ أقصى ما تسمح به لوائح الوزارة، وفى النهاية أراح واستراح عبدالغفار عودة من مذلة الحاجة والبيروقراطية بالانتقال إلى جوار ربه.

وقد التقيت، منذ سنوات بالعديد من الفنانين الذين ملأوا حياتنا بالبهجة والضحك والكثير منهم حضر بنفسه إلى مقر جريدة الوفد يشكو من الفاقة والحاجة الشديدة ولولا الحرص على كرامة أبناء وأسر هؤلاء الفنانين لذكرتهم بالاسم، فكان من باب أولى على الفنانين النجوم الذين يتبرعون بيوم واحد فى السنة للإعلان عن جمعية خيرية ويستريحون نفسياً بقية السنة وكأنهم يغسلون أموالهم، بأن يفكروا فى إنشاء مشروع صحى للفنانين، وأن يتبرعوا كل عام ببعض من ملايينهم لصالح هذا المشروع، أو ينتجوا معاً مسلسلاً أو يشاركوا فى بطولة جماعية فى فيلم أو مسرحية.. وغيرها من أفكار كثيرة يمكن أن تأتى بإيرادات كبيرة، يمكن أن توجه لصالح مشروع خيرى لعلاج وكفالة زملائهم الفنانين المرضى والمحتاجين والعاطلين عن العمل.،. هذا هو العمل الخيرى الصحيح والحقيقى الذى يستمر طوال العام وليس ليوم واحد فقط فى السنة!!