عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

أخشى ما يخشاه المرء فى هذا العصر هو التقدم التكنولوجى فى مجال ما يسمى بالثورة الرابعة، عصر الثورة المعلوماتية التى ربما تعيد الآن تشكيل مفهومنا للواقع؛ إذ لم يعد الواقع كما كان الأمر فى النظرة التقليدية الكلاسيكية هو الواقع المادى الذى نعيشه ونلتحم فيه مع كل ما حولنا من أشياء فى شبكة من العلاقات المحددة بل أصبح للواقع الآن واقعًا موازيًا يكاد يقضى على هذا المعنى الكلاسيكى للواقع، إنه الواقع الافتراضى!

وقد صدق الفيلسوف الإنجليزى المعاصر لوتشيانو فلوريدى حينما قال فى كتابه «الثورة الرابعة – كيف يعيد الغلاف المعلوماتى تشكيل الواقع الإنسانى» الذى صدرت ترجمته العربية العام الماضى عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، بأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تدخل تعديلات على طبيعة الواقع ذاتها، ومن ثم على مفهومنا له عبر تحويله إلى انفوسفير (أى غلاف معلوماتى)!

ولمن لم يعرف بعد، فإن الانفوسفير هو تعبير ظهر فى السبعينيات من القرن الماضى مستندًا على مصطلح الغلاف الحيوى Biosphere، وهو يشير فى مجاله إلى تلك المنطقة المحدودة على كوكب الأرض التى تسمح بالحياة. ومن هنا فإن الإنفوسفير أصبح مصطلحًا يدل على «البيئة المعلوماتية التى تتألف من جميع الكيانات المعلوماتية وخصائصها وتفاعلاتها وعملياتها وعلاقاتها المتبادلة. إنها بيئة تضاهى لكن تختلف عن الفضاء السيبرانى (أى الفضاء الإلكترونى) الذى لا يتجاوز كونه إحدى مناطقها الفرعية إن جاز التعبير».

وعلى ذلك فإن الانفوسفير هو مفهوم يمكن استخدامه كمرادف للواقع طالما نفسر الواقع معلوماتيًا. وفى هذه الحالة يتم الإيحاء بأن «ما هو حقيقى هو معلوماتى وما هو معلوماتى هو حقيقى».

إن ما يعيشه شباب اليوم فى هذا الفضاء الإلكترونى وما يتبادله من معلومات وعلاقات أصبح يفوق الخيال؛ فقد كشفت الاحصاءات أن معدل الرسائل المتبادلة عبر تطبيقات الدردشة مثل الواتس آب أصبح منذ عام 2012م حوالى 19 مليار رسالة يوميًا تزايد إلى 50 مليار رسالة يومياً عام 2014م. وبالطبع فإن هذا القدر من التواصل المعلوماتى بين البشر وخاصة بين فئات الشباب الذين يستخدمون هذه التطبيقات وخاصة الفيس بوك والواتس آب وغيرهما لم يحدث من قبل فى تاريخ البشرية. وإذا أخذنا فى الاعتبار أن هذا التبادل المعلوماتى وتلك الرسائل والعلاقات المتبادلة التى ننتجها ونستهلكها تؤثر وتغير من ذواتنا الاجتماعية كما تغير من الكيفية التى نرى بها أنفسنا فإن معنى ذلك أن ذواتنا تتغير وتختفى الكثير من عناصر تميزها السابق لتصبح ذواتا جديدة بعناصر تميز جديدة.

إن كل ذلك يستدعى بالطبع الدهشة والانتقاد منا كأشخاص تقليديين ينظرون إلى كل هذه التغيرات فى المجتمع المعاصر بأنها تدعو إلى الأسى!، لكن بالنسبة لهم فقد أصبح السؤال الشائع الآن بين المتعاملين مع هذه الوسائل الاجتماعية الجديدة هو: أين أنت الآن على خريطة جوجل الحياتية، وليس على خريطة الواقع المادى الخارجى؟!

لقد أصبح لدينا جيل مفتون بالفعل بهذا الواقع الافتراضى الاصطناعى وهو جيل لم يعد يتحمل أى شىء بطىء الخطى؛ إنه جيل يتألف من صور ذاتية (سيلفي-selfies) ومن نظرة متمركزة على ذاته، ولم يعد جيلاً قادرًا على تحمل مسئولية حقيقية إذ إنه دائمًا ما يتوقع – تبعًا للعالم المعلوماتى الافتراضى لديه – أن كل شىء قابل للمحو أو للتعديل فى أى لحظة بضغطة على الزر الذى أمامه!!

والسؤال الذى أصبح بالفعل ملحًا وضروريًا، هل أصبح الواقع فعلاً واقعين؟ واقع افتراضى وواقع مادى؟! وأيهما أهم الآن؟! وعلى أى أساس يقيس من يعيشون ويقدرون واقعهم سواء الأول أو الثانى مدى حريتهم؟! ومدى سعادتهم؟! لعلنا نستطيع الاجابة فى المقال القادم..