رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

للممثلة الأمريكية الجميلة جوليا روبرتس فيلم رائع هو «النوم مع العدو.. Sleeping with the enemy » تتلخص فكرته العامة بعيدا عن تفاصيله فى مأزق أن يجد المرء نفسه يعيش وجها لوجه مع شخص يكرهه، يرفضه، يتمنى لو أغمض عينيه وفتحهما فلا يجده أمامه. ورغم كفاح جوليا – فى الفيلم – لكى تتخلص من مأزقها إلا أن الظروف عاندتها وبالكاد حققت ذلك.

تذكرت هذا الفيلم مع أخبار احتفال السفارة الإسرائيلية بذكرى قيام دولتها فى «قلب القلب» من القاهرة على بعد خطوات من ميدان التحرير وفى أكثر فنادقها عراقة هو   «ريتز كارلتون». لا أدرى من هو الشيطان أو صاحب هذه الفكرة الشيطانية فى إقامة الحفل فى «ريتز». وفى ذلك الخصوص أشارت مجلة روز اليوسف إلى أن السفير الإسرائيلى هو الذى أصر على هذا الأمر رغم مساعى جهات مصرية مختلفة لإثنائه عن فكرة إقامته فى «ريتز».

ومع إصرار السفير على فكرته لم تجد مصر أمامها مفرا من الاحتفال مع العدو بمناسبة تشعرنا بالأسى وتجلب المواجع. صحيح أن ذلك تم على نطاق ضيق وعلى مستوى نخبة معروفة اتجاهاتها ومواقفها وبراجماتياتها، تم إدراجها فى قائمة تعتبر فى منظور البعض قائمة عار، إلا أن الرمز فى موقع الاحتفال هو موضع الدلالة وليس حجم وطبيعة المشاركة. ربما أراد السفير، الخروج من كهف العزلة ومشاعر «الجيتوهات» التى نشأ عليها اليهود فى مختلف العصور والمجتمعات التى عاشوا فيها فأراد أن يقول ها هنا نحن نحتفل وسط المصريين، إنها محاولة لنفى فكرة تطارده وتطارد قادته فى تل أبيب، وهى أنهم مكروهون من العرب وعلى رأسهم المصريون.

ورغم ذلك، ورغم أن الحفل يكشف حقيقة أن تطبيع وضع إسرائيل فى المنطقة يسير على قدم وساق، وهناك شواهد أخرى كثيرة ذات دلالة تتجاوز هذا الحدث، إلا أن رد الفعل المصري، بما فى ذلك الرسمى يكشف عن جوهر فكرة «النوم مع العدو».

إن الدولة لم تجد أمامها سوى أن تتصرف بما تمليه عليها قواعد العلاقات والاتفاقيات بين الدول، وإن بدت مجبرة على هذا السلوك.. هو ذاك التصرف الذى يوصف بالقول «مجبر أخاك لا بطل». غير أن مجمل رد الفعل الشعبى هو المهم وقد تمثل فى الرفض الشديد فى حدود المتابعين والمهتمين، حيث إن الكثير من المصريين ربما مروا أمام الفندق وقت الحفل دون علم بأن هناك حفلا لسفارة العدو إسرائيل فى الداخل. ويكشف هذا الجانب الأخير أيضا عن دلالة هامة وهى التعتيم الإعلامى على الحدث، باعتباره حدثًا لا يشرّف الصحفى أو وسيلة الإعلام التنويه عنه، لتعزيز فكرة عزلة إسرائيل حتى لو استطاعت أن تفرض نفسها من أعلى منصة فى القاهرة لتحاول القول بأنها موجودة.

وإذا كانت الأماكن سيرة، كما الأشخاص، فقد أصبح ريتز مرتبطًا بانعقاد حفل السفارة الإسرائيلية فيه، حتى أنه قد يتحول فى المخيلة الشعبية إلى تعريفه بالفندق الذى أقيم فيه احتفال ذكرى قيام الدولة العدو، مع ما فى ذلك من دلالات سلبية، على غرار فندق سيسيل، مع الفارق طبعا، الذى كان مركزاً لقادة الانجليز وعلى رأسهم تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية.

ومن المؤكد أنه لو أن الظرف مختلف لكان رد الفعل الشعبى مختلفا كل الاختلاف، غير أنه فى حدود رصد ما صدر من ردود أفعال يمكن تفسير جوهر موقف المصريين تجاه عدوهم مهما حاول التقرب إليهم، وهو أمر يفسر لماذا حظى مطرب شعبي مثل شعبان عبد الرحيم هو بعداد الطرب فى أسفل سلم الفن على مكانة كبيرة فى قلوب المصريين بالعزف على الوتر الحساس لديهم .. كراهية إسرائيل، ولماذا ارتفعت أسهم شخصية كبيرة مثل عمرو موسى لأنه عبر عن نموذج هذه الكراهية فى التصور الشعبى بفعل مواقفه المختلفة خلال توليه مناصب رسمية مصرية وعربية.

من الواضح أن المصريين يتعاملون مع إسرائيل بمنطق أنكِ قد تسعين للتطبيع معنا كيفما تشاءين، وتفرضين من الظروف ما تريدين للإيحاء بمثل هذا التطبيع، ولكن ما فى القلب فى القلب يا إسرائيل!! هو نمط من التعامل يعبر عن منطوق القرآن الكريم فى تأكيده وقوله: «هم العدو فأحذرهم». على مستواي الشخصي، ليس فى قلبى مكان لكراهية أحد، وأحاول أن أغسله دوما بمقولة السيد المسيح «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم».. غير أن مشكلتى الوحيدة، بعيدا عن عمرو موسى أو غيره، هى فى عدم قدرتى على الأخذ بتلك الدعوة للمحبة مع إسرائيل، التى أكرهها كراهيتى للموت!

باختصار لقد كان لسان حال المصريين مع الاحتفال يقول : لن نمسك حجرا لكى نلقى به فى وجه العدو، فتلك مهمة نتركها لأبناء فلسطين القابعين تحت الاحتلال، ولن نخرج فى مظاهرات كى نشجب أو ندين، ولن نحرج نظامنا فى رغبته وحرصه على الالتزام بما تقتضيه القواعد والاتفاقيات، ولكننا سنظل على كراهيتنا لإسرائيل.  إنها بالنسبة لنا زوج جوليا روبرتس ..  الذى نكرهه ونرفضه ونتمنى لو أغمضنا أعيننا وفتحناها فلا نجده أمامنا، وسنحقق ما حققته جوليا بشكل أو بآخر.. فإذا كانت هى كفرد انتصرت فلعل ذلك يؤكد أن إرادة الشعوب ربما تكون أكثر صلابة ولا بد لها أن تنتصر!!

[email protected]