رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحدثت فى الأسبوع الماضى عن مستقبل الديمقراطية فى مصر، واستعرضت الضغوط البشعة التى تعرضت لها الأحزاب السياسية منذ ثورة 1952 وحتى الآن، وأطلقت صيحة تحذير مهمة، من إنشاء الأحزاب السلطوية التى يندفع إليها الناس اندفاعاً كبيراً بهدف تحقيق مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن، ومن خلال الاستعراض الذى تناولته يوم «الخميس الماضى» كشفت عن كارثة حقيقية وهى أن مستقبل الديمقراطية يتعرض للخطر فى ظل وجود حزب واحد للسلطة، وتهميش باقى الأحزاب وإعلان الحرب عليها.

إن الديمقراطية الحقيقية فى أى بلد من بلدان العالم لا يمكن أن تجد طريق النجاح فى ظل وجود حزب للسلطة ينفرد بكل الامتيازات والمزايا، وتهميش باقى الأحزاب لسببين رئيسيين، الأول: هو الهرولة إلى حزب السلطة لتحقيق وحصد أكبر المكاسب من هذه الامتيازات، والثانى: التقليل من شأن الأحزاب الأخرى، إن لم تكن الحرب عليها بكل السبل والوسائل، والتجربة المصرية خير شاهد على ذلك، فمنذ حل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الأحزاب السياسية فى مصر بعد ثورة 1952، وانفراد السلطة السياسية حينذاك بالحكم، فى إطار ما يسمى بالاتحاد الاشتراكى صاحب الكلمة الأولى والأخيرة،  ما جعل ـ كما قلت قبل ذلك ـ أى إنجاز حققته ثورة يوليو محل ريبة وشك!. وكذلك الحال حدث عندما تولى الرئيس الراحل أنور السادات الحكم، وتبنى اتجاه الوسط من خلال المنابر الثلاثة التى أنشأها الوسط واليمين واليسار، وانفرد حزب «الوسط» بكل القرارات والامتيازات، وهرول إليه كل أصحاب المنافع الذين يريدون حصد المكاسب، وكانت الطامة الكبرى خلال هذه الفترة، أن فتح الباب على مصراعيه لجماعة الإخوان التى خرجت من تحت عباءتها جماعات كثيرة متطرفة، كانت وراء اغتياله فى عام 1981، ويلقى السادات ربه شهيداً.

ولما تولى الرئيس حسنى مبارك الحكم، فتح الباب أمام الأحزاب السياسية، لكنه لم يكن على مسافة واحدة من هذه الأحزاب، بل تولى رئاسة الحزب الوطنى الذى أحل الكوارث بالبلاد، وتم تهميش هذه الأحزاب وإعلان الحرب عليها، ما جعلها أحزاباً كرتونية لا فائدة منها، بل إن هذه الأحزاب كانت محاصرة حصاراً بشعاً، يمنع ممارستها حقها السياسى.. وكما قلت من قبل عندما سقط  نظام مبارك لم نجد ما يملأ الفراغ السياسى بعد ثورة «25 يناير» ما كان سبباً فى وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحكم، لتمكث فيه اثني عشر شهراً، ومازلنا نتجرع الويلات والويلات من جراء هذا الأمر، ولا يزال المصريون يدفعون ثمن هذه الكارثة من أرواحهم، حيث تقوم الدولة منذ ثورة «30 يونية» بالحرب المقدسة ضد الإرهاب وجماعات التطرف التى تشارك الخارج الذى ينصب المؤامرات لإسقاط مصر، ووقوعها فى براثن الفوضى والاضطراب.

مستقبل الديمقراطية إذن مرهون بالتعددية الحزبية، تفعيلاً للمادة الخاصة من الدستور التى تقضى بأن النظام السياسى قائم على أساس التعددية السياسية، والحزبية والتداول السلمى للسلطة، وهذا يعنى عدم انفراد حزب واحد بالأمر، وألا تنحاز السلطة إلى  حزب بعينه على حساب باقى الأحزاب الأخرى، وليس معنى ذلك أيضاً أن يكون هناك هذا الكم الهائل من الأحزاب السياسية، بل لابد من دمج كل هذه الكيانات السياسية فيما لا يزيد على أربعة أو  خمسة أحزاب على أكثر تقدير.

ونكرر مرة أخرى أهمية أن تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الأحزاب بمعنى ألا يكون هناك حزب للسلطة لمنع الهرولة إلى هذا الحزب، وألا يمتاز بمكاسب عن باقى الأحزاب، ولذلك فإن المسافة الواحدة بين الجميع، تخلق مناخاً سياسياً صحياً يفرز  الكوادر القادرة على قيادة الوطن، وفى تقديم المرشحين لأية انتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو فى المحليات. أما وجود حزب للسلطة، فهذا يعنى استنساخًا جديدًا للاتحاد الاشتراكى أو منبر الوسط أو الحزب الوطنى المنحل، وهذا منطق مرفوض جملة وتفصيلاً ويخلق حياة سياسية عقيمة لا تجدى ولا تنفع وبمثابة عودة إلى الوراء الذى انتهى وولى إلى غير رجعة.

مصر الجديدة التى يتم التأسيس لها لا تعرف هذه الحياة السياسية المعوجة التى ولت وانتهى أمرها، ولا أعتقد أبداً أن مصر بعد ثورة «30 يونيو»، يرضى شعبها بذلك ولا دستورها الحالى يسمح بوجود حزب للسلطة، وكفى ما مر من عقود طويلة تجرع فيها الشعب الويلات من تزييف لإرادته، وانكسارات كثيرة تعرضت لها البلاد وعلى مدار حوالى ستين عاماً، بسبب الانفراد فى الرأى لوجود حزب واحد هو حزب السلطة. ولذلك لا نكون مبالغين فى قول إن  مستقبل الديمقراطية فى مصر مرهون بإعمال سيادة القانون وتفعيل الدستور من خلال التعددية الحزبية والسياسية ونسيان إنشاء حزب للسلطة لأنه الخطر الكارثى الذى يهدد أمن واستقرار البلاد،. ومصر الجديدة لا تعرف مثل هذه الخزعبلات التى تسببت فى انتكاسات كثيرة، كما أن الذين يفكرون بمنطق الماضى الذى ولّى واهمون ومخطئون فى كل حساباتهم، ولا يشعرون بالتغيير الجديد على الأرض.

[email protected]