يتباين الناس في اتجاهاتهم وأفكارهم وميولهم، ولكن ستظل للقراءة سحر ومذاق خاص لا يشعر به إلا متعطشي الثقافة وباحثي العلوم والمعارف الجديدة في شتى مناحي الحياة ليس فقط من أجل التطلع والمعرفة فحسب بل لإشباع الروح والعقل بما هو نافع وقيم ومفيد.
شاء القدر أن اطَّلع خلال الفترة الماضية على كتاب جديد صدر مؤخرًا عن دار الهلال، وقد لفت نظري في بداية الأمر عنوان الكتاب "مجرد مواطن... من الأوراق السرية للإنسان المصري"، الذي أثارَ فضولي وشغفي لمعرفة المحتوى الذي قُدم تحت هذا العنوان العريض، وتساؤلات هل للإنسان المصري أوراق سرية دون عن غيره؟!، وهل يوجد في الاساس أوراق سرية لمواطنين عاديين ليس همهم في الحياة إلا البحث عن حياة كريمة لهم ولذويهم دون التطلع لأى رفاهية أو مناصب مرموقة يعتلوها؟!، أسئلة عدة حاولت الابحار فيها داخل هذا الكتاب الذي وجدت فيه كم هائل من المعلومات والأسرار القيمة والجيدة عن حياة المصري في جميع مجالات الحياة السياسية والفنية والاجتماعية والدينية والحزبية والتي أراها تقدم بشكل عَذْب وسلس يسهل على القارئ الحصول على المعلومات بشكل سردي منمق وعميق.
احتوى الكتاب على سبعة وعشرين فصلاً تشمل تاريخ وماهية المصريون وعن الأصول الفرعونية المسيطرة على تكوين الشخصية المصرية، كما تناول الكتاب النظرة الاجتماعية المتعالية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وسلط الضوء على أثارها السلبية التي يري المؤلف أنها لم ولن تتغير عبر العصور إلا بالاِنقلاب على الأعراف والتقاليد البالية، وعرض الكتاب أيضًا لمحات مضيئة في حياة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات والدور البارز لمصطفى كامل وشعبيته وسعد زغلول في مواقفه الداعمة لمصر رغم عدم انشغاله بمنصب قيادي في الدولة آنذاك لكى يظهر صور المصري صاحب الرؤى وأنه لم يقهر بالرغم من الظروف التي كانت تدار من حوله.
كما تناول الكتاب في فصل هام للغاية المتشابهات بين عبدة الشيطان والدواعش بالرغم من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية قد تكون هي الغالبة لظهور وتشكيل الاعضاء في كلا من الجماعتين إلا أن السلبية ورفضهم للواقع وهروبهم منه والبحث عن الخراب والتدمير والهدم لا البناء كان هو السمة الغالبة بين الفريقين. والكثير من الموضوعات الهامة ذات البعد الاجتماعي والسياسي والتاريخي المهم.
إن هذا الكتاب "مجرد مواطن" يقدم الشخصية المصرية زمنيًا ومكانيًا، فهو أول إنسان على الأرض قام له مجتمع وأنتج ما يُعرف بعد ذلك باسم الدولة، وخلال الدولة برز الدور التاريخي والريادي للمصري على أرض وادى النيل.
في نهاية مقالي ادعو كل من تتاح له الظروف قراءة هذا الكتاب البسيط لمعرفة تاريخ المصري ودوره في مجالات الحياة المختلفة وكيف استطاع بدهائه وقوته التغلب على كافة الصعاب وتذليلها لمصلحته ومصلحة بلده . كل الشكر والإجلال لدار الهلال العريقة التي قدمت هذا العمل القيم متمنيًا أن تقدم المزيد من الانتاج المتميز والرصين كما تعودنا منها دائمًا. كما اخص بالشكر صاحب الكلمات المنمقة والحروف الذهبية الاستاذ محمد شمروخ مؤلف الكتاب على تقديمه هذه الوجبة الثمينة والراقية لربط الأجيال بتاريخ بلادهم وقدرته على تسليط الضوء على ماهية الشخصية المصرية التي تسطيع أن تقهر الصعب وتتغلب على المستحيل عبر عصور وأزمنة متتالية.