عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

بعيداً عن السياسة ومشاكلها.. أقول لم يعد الفيسبوك مجرد وسيلة تواصل اجتماعى وإنما توغل لما هو أكثر وأصبح يشكل جزءًا أساسيًا من حياتنا، نصحو وننام ونحن نتابعه، حتى إنه أصبح أفضل أداة يمكن من خلالها قياس ومعرفة اهتمامات الشعوب والأفراد وحدود ثقافتهم ومشكلاتهم الاجتماعية وخلافه.

وقد وصل الأمر لدرجة تستحق الدراسة والتحليل فى تعامل البعض مع الفيسبوك الذى يتطلب قدرًا أكبر من الرشادة والوعى، لما يمكن أن يسببه من كوارث على الصعيد الإنسانى والمجتمعى.. فالبعض قد ينشر مثلاً معلومات بالغة الخطأ يمكن أن تلحق أكبر الضرر بآخرين دون أن يرف لهم جفن، أو أن يتحروا الدقة فيما ينشرون. ومن ذلك مثلاً أن صديقاً نشر تصريحات لأميمة كامل القيادية الإخوانية شديدة اللهجة، مؤكدًا أنها صاحبة معامل المختبر، طالباً من متابعيه على الفيس وبنبرة تحريضية أن يقوموا بمشاركتها من أجل تعميم المعرفة، رغم ما قد يكون فى ذلك من أبلغ الضرر دونما سبب وجيه سوى لتشابه اسم صاحبة تلك المعامل الدكتورة مؤمنة كامل مع اسم القيادية الإخوانية.

حالة أخرى لصديق أتصور أنه يتمتع بقدر من التدقيق فوجئت به يسىء لإحدى المؤسسات مناصرة منه لصديق له على الفيس نشر تعليقاً عنها يشكو من هذه المؤسسة وراح هذا الصديق المناصر يذكر كلاماً يعبر عن عدم دراية أو معرفة بالموضوع وهو ما استدعى من صاحب «البوست» التدخل لتوضيح الأمر فى محاولة لتجاوز ما بدا فضيحة تسىء له ولصديقه الذى علق وشارك على «عماه».

لن أذكر الكثير من الظواهر الأخرى التى تدخل فى عداد الجرائم والمتعلقة بنشر أخبار كاذبة عن رحيل شخصيات معينة عن حياتنا أو غير ذلك من أمور يمتلئ بها فضاء الفيسبوك. غير أننى أشير إلى جانب ربما يحتاج لقدر من المتابعة والتحليل ويتمثل فيما يشيعه الفيس من تزييف للعلاقات الاجتماعية والإنسانية. حكى لى صديق عن زميل له يكن مشاعر بالغة السلبية لزميل ثالث لهما، وعندما صادف هذا الثالث مناسبة سارة حرص الأول على أن يكون أول المهنئين بـ«بوست» على الفيس صاحبه تهنئات وتبريكات عديدة استطاع من خلالها نفى صورة حقيقية تتمثل فى عدم قبوله لزميله وطرح صورة مغايرة ترسخت فى أذهان المتابعين والأصدقاء على الفيس ممن لا تربطهم علاقة قريبة من الشخصيتين.

من بين عجائب الفيس أن صديقاً لى على صفحتى -عجبت من سلوكه أشد العجب- راح يذكر مشاركيه على الصفحة بأن ملابسه هذا الصباح أصابها التلف وأنه اضطر للعودة إلى المنزل لتغييرها. ذات مرة وفيما كنت أتابع فعاليات ندوة وقعت عينى دون قصد على سيدة انصرفت عن الندوة لضبط وضعيات الصور التى قررت أن تضعها على الفيس.. حجم العناية والاهتمام بالتفاصيل و«الكلوز أب» لكل جوانب هذه الصور يكشف لك عن الهوس الذى أصابنا به الفيس بوك!

صديق آخر لى، ومفهوم الصداقة هو مفهوم «فيسبوكى» ولا يعنى وجود علاقة شخصية بالضرورة، يقيم فى الخارج نزل إجازة لمصر لمدة شهر، يمكننى بدون مبالغة أن أذكر لك وأنا البعيد عنه يومياته لحظة بلحظة.. من زار ومتى وماذا أكل وأين قضى نزهته.. كل شىء.. كل شىء، وبالصور!

وإذا كان الأمر يتطلب رؤية دقيقة تتجاوز هذه الخواطر فأذكر هنا حالة تستدعى التوقف عندها تتعلق بما تمارسه سلطة الفيس ونمط الدخول والتعليقات عليه من تضخيم لذات البعض تضخماً وهمياً قد يكون له أثره السلبى على الشخص ذاته الذى تضخمت ذاته دون أساس من الواقع. ويساعد على ذلك أن الأمر لا يتطلب –لأن كل الناس أمام الفيس 24 ساعة– سوى الضغط بإعجاب أو تعليق قد لا يضر من وجهة نظر صاحبه إن لم يكن سيفيد.

بعيداً عن التفاصيل فإن شخصاً تصور نفسه مهما بفعل حجم الدخول على صفحته على الفيس والتعليقات وهو كذلك وإن لم يكن بمستوى تصوره. وعلى خلفية هذا التصور تخيل أن الناس ستفد جحافل خلال مشاركته فى لقاء عام يدلى فيه بدلوه، وكانت مفاجأته ضعف الحضور وهزاله، فكان رد فعله العنيف مقاطعة الفيس عقاباً لمن يراهم جمهوره على غلطته الشنيعة فى حقه. كنت أود أن أقول لصديقى هذا هون عليك نفسك، فالأمر لا يتعلق بك، وإنما هى ظاهرة مجتمعية فالنفس لا تهفو كثيرًا إلى الجدية وإنما إلى ما هو لهو وفرفشة. كنت أود أن أذكر له فى هذا الصدد خبرًا قرأته ذات مرة على صحيفة الحياة اللندنية مفاده بأن حفلًا للفنان عبدالله بالخير أقيم فى مسقط، وتصادف مع ندوة للمفكر الجزائرى الراحل، محمد أركون، وفيما حضر الحفلة نحو 100 ألف، فإن من حضر الندوة لم يتجاوز مائة شخص! ولكن ماذا نفعل أنها سلطة الفيس بوك التى لم يعد لها من راد لقضائها!!

[email protected] com