رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سطور

هناك صعوبة بشكل عام فى الفصل ما بين الفنون، ولكن تزداد تلك الصعوبة عندما نتقصى التداخل الإبداعي ما بين التشكيل والشعر تحديداً وعندما ندقق قليلاً نجد أن هناك رابطاً وثيقاً بين التشكيل والشعر من جهات عدة: كالإحساس بالذات الإبداعية  مثلا في كل منهما، هذا فضلاً عن استعدادات هذه الذات في الإبداع والتأثير الثقافي، والإبداع والتأثير اللذين ينبعان هنا بشكل أساسى من إعادة إنتاج الواقع وتجاوزه.

وربما يحضرنى قول «سيمونيدس» بأن (الشعر رسم ناطق، والرسم شعر صامت) ودلك  في إشارة منه إلى العلاقة الجوهرية  الفنية ما بين الشعر والرسم أو التشكيل، تلك العلاقة التى تقوم على التعبير من خلال الصورة  ولكن باختلاف الأدوات المستخدمة، فالشاعر عندما يصوغ قصيدته الشعرية فإنما يلتقط العبارات والمعنى من معطيات مادية أمام عينيه، وتلك المعطيات تأتي في مقدمتها الصورة، وبالمحصلة النهائية فإن الشعر هو صورة والقصيدة الشعرية الجميلة المكتملة البناء هي لوحة تشكيلية.

وكذلك نجد أن «أرسطو» أيضا  يرى أن الشعر والتشكيل ينطلقان في تشابههما من محاكاة الواقع  ثم يفترقان، حيث إن الأول يعتمد على الحكاية والثاني يعتمد على التخطيط، كما كان «أرسطو» من أوائل الفلاسفة الذين قالوا بالإمتاع والفائدة في الفن، وقدم لنا تفسيراً متقدماً لبواعث هذا الإمتاع  حين قال (إذا كنا نحب مشاهدة الصور، فذلك لأننا نتعلم بالنظر إليها). 

ولعلى أرى أن الفن التشكيلي أقرب إلى الفن الشعري، حيث تجمعهما شعرية الصورة، وأن هناك جواراً لفظياً في الشعر وفنياً بين الألوان، وجواراً بين الخيال في صناعة الصورة الشعرية والصورة اللونية، وأن كثيراً ممن يشتغلون بالفن التشكيلي يكتبون الشعر من خلال رسم الكلمات، فالتشكيلي شاعر واللوحة التشكيلية هي قصيدة شعرية، والفارق بينهما أن الشاعر يلعب بريشة الحرف والتشكيلي يلعب بريشة اللون ويجتمعان في الخيال والفكر.

وبشكل عام فالصورة فى الشعر لا ترسم، وإن بدت تجريدة حاضرة ولكن تجسيدها الفعلى أى ما يجعل منها صورة شعرية لا يتحقق إلا باللغة الطبيعية الجميلة والمعبرة، وهنا تكمن جماليتها، فهى غير مرئية ولا ملموسة مثل اللوحة، ولكنها ربما تكون لغة صوتية تحمل المعنى وتجعله مدركاً كصورة قبل أن تصير إيقاعاً، والشاعر دائماً ما يخلق إيقاعات مستوحاة من اللغة، وهنا يجب أن نشير إلى أن الصورة كلما امتدت لتتعدد الدلالات برمزيات الإيحاءات، كلما كانت شاعريتها صورياً أكبر وأكثر تأثيراً، على الرغم من أنها شعرياً خالية من اللون ولكنها تزهو بملامح الفكرة  فى الحضور وكدلك فى الغياب، فهى تقفز متخدة وسائط متعددة مؤثرة كصوت الشاعر وطريقة القائه بالشكل الذى سبق للقارئ أن سمعه، وتتأثر بحالة القارئ لترتسم بصورة أخرى، كلما اتضحت يتم تجاهلها أو نسيانها فى محاولة لخوض مغامرة التجاوز، وهذا لا يحدث مع الصورة التشكيلية،  فالأخيرة يزيدها القدم عمقاً وامتداداً أكبر.

وأما بالنسبة للصورة فى التشكيل، فأعتقد أنها ربما تكون ناطقة بذكاءات وجدانية ورمزية، معبرة ومتجاوزة لما يشاهد منها، ومتأثرة بقدرة المشاهد لها على فك رموزها وإدراك أبعادها، حيث إن الصورة التشكيلية مغالطة ونافرة من الدلالات التى تقدم نفسها للوهلة الأولى، تلك التى تثق فى الحس، فلا يضيف إلا ما تدركه العين الحسية من ألوان واتساقات و توازنات، هنا تختفى صورة التشكيل وأبعاده  أو هكذا يراد له أن يبدو خالياً من العمق الوجودى المتعب للخيال والذاكرة، وتلك هى الأدوات التى يستخدمها التشكيلى ويعمقها بريشته لتعبر عنه.