عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

نواجه دوماً فى الحياة أسئلة كثيرة لا نستطيع التوصل  إلى إجابات شافية بشأنها، لاسيما إذا تعلقت بالكون والطبيعة والموت والحياة والعلاقات بين البشر. لكن حين تكثر الأسئلة دون التوصل إلى أجوبة بشأنها فى المجال السياسى والعلاقات بين الدول، فلا جدال أن الصمت عن الإجابة  يصبح هو السياسة بعينها، لإخفاء معالم جريمة والتستر على مرتكبها.

ويطرح التصعيد الغربى  الأخير بجانبيه الأمريكى والأوروبى ضد روسيا فى أعقاب اتهامها بمحاولة اغتيال العميل الروسى المزدوج سيرجى سكربيال وابنته يولا فى جنوب بريطانيا  فى الرابع من مارس الجارى، عدداً كبيراً من الأسئلة التى يتم تجاهلها، ويجرى الصمت حتى على طرحها، مما يشكك فى أهداف هذا التصعيد المتسارع بخطى غير مسبوقة، منذ انتهاء الحرب الباردة قبل نحو 28عاما، ويثير الريبة فى فى توقيته، والأبعاد التى يرمى من ورائه الوصول إليها!

فهل  يمكن لأحد أن يصدق أن دولة  بحجم روسيا،  تفتقد  من الحنكة والذكاء ما يدفعها لارتكاب تلك الجريمة  الحمقاء، وهى مقبلة على إجراء انتخابات رئاسية  فى 18 مارس، أى بعد أقل من أسبوعين من وقوع الحادث، وتستعد بعد نحو ثلاثة أشهر فى يونيه القادم، لاستقبال البطولة الحادية والعشرين لكأس العالم لكرة القدم؟، أليس من المنطقى أن يكون الهدف من وراء هذا الحادث  هو التأثير السلبى  على الحدثين، وعرقلة حدوثهما؟!

ثم لماذا رفضت رئيسة الحكومة البريطانية طلب روسيا بإطلاعها على أوراق التحقيق بشأن تلك الجريمة، أو إشراكها فيه، أو تسليمها عينة من دم الضحيتين كما فعلت مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، إذا كانت تسعى  لكشف  الحقيقة  لا الترويج لأكاذيب، قبل أن تسرع  بتوجيه الاتهام  وبالإعلان الفورى أن مادة غاز الأعصاب السام الذى استخدم فى محاولة الاغتيال والمحظور دولياً، صنعت فى الاتحاد السوفيتى السابق، وبحشد  27 دولة من دول الاتحاد الأوروبى لطرد 144 دبلوماسياً روسياً، وهى من يتعثر فى مفاوضات تنفيذ الخروج منه وتحمل تكلفته  المالية وتبعاته  السياسية والاقتصادية؟ وكيف تمكنت الشرطة البريطانية من التوصل للترياق المضاد لتلك المادة السامة بهذه السرعة التى أدت إلى الإعلان عن بدء تعافى الابنة يولا، والتكتم الشديد حول مكان وجودها هى ووالدها، والتخبط بشأن تحديد أماكن اكتشاف المادة السامة، وهل كان فى المطعم الذى كانت الضحيتان تجلسان، فيه أم فى المنزل حيث يقطنان؟ 

وما هى يا ترى العلاقة بين هذا التصعيد الغربى المتلاحق ضد روسيا، وبين تعيين صقرين متشددين  ضد تنامى  الدور الروسى فى منطقة الشرق الأوسط فى مقابل تراجع النفوذ الامريكى بها، وهما وزير الخارجية «مايك بوبيو» ومستشار الأمن القومى «جون بولتون» بما أدى إلى استجابة واشنطن السريعة لطلب لندن بالتضامن بطرد 60 دبلوماسياً روسياً، فى مفارقة بدت غير مناسبة  مع حرص ترامب على تهنئة نظيره بوتين بإعادة فوزه الكاسح بالرئاسة الروسية؟!

واقع الحال أن معركة  الغرب الاستعمارى مع روسيا بدأت قبل سنوات من هذه  الحادثة  وبالأحرى منذ سقوط يلتسين وتولى بوتين السلطة عام 2000. أى أنها بدأت قبل اتهامات لجان فى الكونجرس  بمزاعم حول تورط روسيا فى سباق الرئاسة الأمريكية  لصالح ترامب، واتهامات مماثلة لأحزاب وطنية  أوروبية بتلقى دعم مالى من روسيا. فمنذ  ضمت روسيا عام 2014 جزيرة القرم، وسعى بوتين عبر توثيق العلاقات الاقتصادية والعسكرية والتجارية والثقافية مع الدول العربية، وتوثيق علاقاته بإيران وتركيا، ودعمه الدولة السورية لاستعادة اكثر من 60% من الأرضى من أيدى القوى  الجهادية المتطرفة، وتغيره للخريطة الجيوسياسية فى المنطقة  بتمركز القواعد العسكرية والبحرية  الروسية فى سوريا، للمرة الأولى منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، الذى يعتبره بوتين من أكبر الجرائم فى القرن العشرين، وأجهزة المخابرات الغربية والأمريكية فضلا عن المؤسسات العسكرية، تضغط لتصعيد المواجهة مع روسيا العائدة بقوة فى المشهدين الدولى والإقليمى، وهذه هى القضية.