عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

الحقول خضراء.. ممتدة لأبعد من مرمى البصر، أشجار وارفة وزروع ألوانها زاهية وزهور تنتشر كالخميلة على الجوانب وتتخلل الزروع، الماشية نظيفة لامعة وكأنها خرجت لتوها من «حمام دافئ بالشامبو»، لا ذباب ولا حشرات أخرى ولا مخلفات تغطى جلدها، فالمخلفات يتم جمعها أولاً بأول لنقلها إلى أماكن مخصصة لعمل الأسمدة العضوية بها، آليات الزراعة نظيفة ومتطورة، الصورة الكلية تشعرك وكأنك فى معرض للفنون تشاهد لوحة بديعة لا خطأ فيها ولا تشويه، يزين كل هذا مشهد الفلاح وسألقبه بـ«الفلاح النزيه» فملابسه مهندمة نظيفة، لا ينقصه سوى قفازات ومعطف أبيض ليبدو كطبيب، ويرتدى قبعة أنيقة تحميه من الشمس أو الأمطار، وجهه «الدموية» تقفز منه، قوى البنيان.. عضلاته مفتولة جراء الجو النقى الخالى من دخان قش الأرز وجراء الغذاء الصحى، أما بيوتهم الصغيرة، فهى رائعة المنظر والتصميم منحدرة الأسقف حتى تنزلق فوقها الأمطار والأتربة، نظيفة جداً من الداخل، وكأنها «فيللا» لثرى من أثرياء مصر.

هذا هو المشهد الحقيقى للريف فى كل دول أوروبا إذا ساعدك حظك للسفر إلى هناك، وهو المشهد الذى تطالعه أيضاً أعين كل المسافرين فى القطارات أو براً بأوروبا، على طول الطريق زراعى كان أو صحراوى، فالقرى الأوروبية تحولت منذ عقود إلى قرى نموذجية راقية منتجة، تسهم بصورة هائلة فى تنمية هذه الدول لتصل بها إلى مرحلة الكفاية فى الزراعات القومية، ومن ثم إلى حد الفائض للتصدير.

فى قرى الصعيد وأختصها هنا لأن الجنوب قريب من مصب النيل والخزان، خصب الأرض وفير المياه، ولكن لا يتم استثمار ذلك على أى وجه ولن أقول أفضل وجه، الصورة هناك وعلى الطريق الموازى للقطار المتجه من القاهرة لأسوان.. صورة قاتمة وكئيبة لا تبعث على أى بهجة أو أمل أو حتى رغبة فى العمل والحياة، قرانا تطارد أعين المسافرين بلوحة مأساوية سواء كانوا سياحاً متجهين لمحافظات الصعيد خاصة الأقصر وأسوان، أو حتى مواطنين مصريين، وهى صورة مناقضة تماماً لما عليه ريف أوروبا.. بل أسوأ من النقيض، ستجد الفلاح على طول المشهد «غالباً» مسكيناً.. أغبر أشعث ممزق الملابس حافى القدمين وقد تشققا من الطمى والحصى، عظام صدره نافرة من الجوع والفقر، الزروع متنافرة ممزقة فى مساحات متناثرة، لا تناغم فيها ولا تآلف أو تخطيط، البيوت عشوائية وقذرة من الخارج والداخل، الماشية «عجفاء»، الذباب وكافة الحشرات ترتع عليها من فرط قذارتها وكنتيجة لدهسها على مخلفاتها، والتى تركت لتتعفن وتصبح مرتعاً للحشرات ونقل الأمراض وتلويث البيئة، الأطفال حفاة وشبه عراة يقفزون فى مياه الترعة للاستحمام، والنساء فى نفس الترعة لغسل الأوانى والملابس، «أى والله» حتى الآن يحدث ذلك فى القرن الـ«21»، أكوام متراصة من القذارة وبقايا البيوت المتهدمة التى هجرها أصحابها بحثاً عن حياة أفضل فتحولت إلى خرابات، والاشجار عشوائية الشكل و ليس لها أى قيمة اقتصادية، حتى تشعر أنك فى عالم مخيف وغامض ليس له ملامح.

وللأسف هذا المشهد الدرامى المأساوى على طول طريق القطار يؤكد مدى بشاعة الأيادى السوداء التى أهملت قرى مصر، وأهملت جوانب الطرق، ولم تبل بتقديم خدمات ومرافق لسكان هذا الشريط الممتد على طريق القطار ليعمروها ويجملوها، من أجل أهلها ومن أجل أعين الناظرين من السياح و... للحديث بقية.

[email protected]