عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

تلك ذكرى مفكر وإنسان وفيلسوف ومُعَلم وكاتب، وذكرى صديق. تمرُّ علينا ذكراه كما تَمُرُّ الذكرى العطرة الجميلة فى وجدان الذاكرين، وتستعيد الذاكرة التى لا تنسى أصدق المواقف الإنسانية قلَّ أن نلمحها اليوم فى إنسان: حياةٌ عامرة بالعطاء، وعملٌ حافل بالإخلاص، وصفات رجل يمتاز بما يمتاز به المفكرون المصلحون من حيث الخصال والسّمات.

لم أقصد فى تلك الأسطر القليلة سوى الحديث الذى من القلب عن أستاذ غَمَرَ تلميذه بعطفه المشمول، فوافق عقلًا مستعدًا للتعلم وقلبًا نابضًا شغوفًا للمعرفة، وإذْ بنموذج الأستاذ العظيم كان أخذ بلبّه فتولاه، واتخذه المرشد الأمين ليضع يده، رُغْمَ اختلاف التَّوَجُّه فى التخصص، على مواضع الحياة الفكرية، خَفيَّة وجَليَّة، لدرجة أنه كان يحضر معه المحاضرات فى آداب القاهرة وهو دكتور، يصغى التلميذ لأستاذه غير مجبور ولا مقهور. ليس إلا أن تكون محبة، ناصح فيها ويزيد النصيحة توجيهًا وإرشادًا لمعالم حياة عقلية مُنتجة، ويرقُ له كما يرق الأحباب ليدفعه من درجة إلى درجة، والسؤال عنوان التّعلُّم والاستزادة من المعرفة، يا ليتها دامت علاقة قلب بقلب، وروح بروح، وعقل بعقل، ولا تزال الأرواح تتلاقى (كما تلاقت القلوب والعقول) ويدوم معها العطاء.

عاش العراقى إنسانًا وأستاذًا طوال حياته على فضيلة البذل والعطاء، قائمًا إلى مرتقى المثل الأعلى بتلك الخصائص الإنسانية والفكرية، محتفظًا بنشاطه الغزير إلى يوم وفاته الأربعاء الموافق 29/2/2012م، عن عمر يناهز 77عامًا أثناء محاضرة كان يُلقيها لطلابه بمعهد الدراسات الإسلامية. كانت أستاذيته جزءًا من حياته العقليّة وليست حياته العقلية جزءًا من أستاذيته، فلو لم يكن أستاذًا بالجامعة لكان فى طبقة المفكرين الكبار ممّن تركوا آثارًا تنادى على ذواتهم مُجَرَّدة عن الألقاب والوظائف، خدمة لقضايا أوطانهم بُغية الإصلاح. وبمقدار ما كان امتلك عزيمة ماضية ومنزلة رفيعة امتلك فكاهة مرتجلة تنبعث من قرارة وجدانه تدلُّ من الوهلة الأولى على رقى الإنسان فيه، مع نزاهته عن القيم الساقطة المبتذلة التى تقدح فى سلوك المفكرين. إيمانه بالعقل وقدرته على توظيفه فى خِدْمة قضايا وطنه موصولٌ ممدودٌ منذ أن وعى حياته العلمية وكتب فيها أولى كتاباته الفلسفية حول نزعة العقل عند ابن رشد. ومنه حارب التقليد والممارسات التقليدية إنْ فى مستوى التعليم، الجامعى وما قبله، وإنْ فى مستوى النهضة الفكرية العامة ممّا كان طرَق عليه وانشغل به على الدوام وأُدْرِجَ من ثمَّ تحت هموم أمته وشواغلها المصيريّة.

آمن بالتجديد والإبداع والابتكار كأركان تنويرية، وقوَّض دعائم الأفكار الظلاميَّة فى مناهج التعليم، وشَدَّد على النقد الفلسفى والأخذ بالروح النقديّة، وعالج مشكلات التطرف الدينى والإرهاب وكتب فيها المطولات من المقالات والدراسات، وحذر من خطره الفادح على الدين والوطن، ووصف سلوك المسترهبين بأنه يهدد نسيج الوحدة الوطنية (فتنة طائفية) بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين، ليضرب الوحدة الوطنية من ناحية، ويتسبَّب فى إهدار طاقات الوطن ويربك استقراره وأعاقته عن بلوغ أهدافه كما هو مُشَاهد اليوم، وإنه لدخيل على مصرنا الغالية، لأن مصر منذ آلاف آلاف السنين يعيش فوق أرضها أبناء الديانات كلها، ولا مكان فى مصر لمن يتاجر بالدين ومعتقداته السَّمحة، مستغلًا تحقيق مآربه الشخصية. فتعليم فاسد، وثقافة مُتَرَديّة، وانحراف عقائدي، وتديّن شكلي، وانحلال خُلقي، عوامل هدم تشكل جرثومة التطرف والإرهاب.

رحم الله أستاذنا الدكتور عاطف العراقى المفكر المصلح الإنسان. كان طيَّب الله ثراه قيمةً فكريةً تحفظ للعقل مكانته، تغرسه بالمعرفة، وتنبته بالوعي، وتصقله بالدراسة والتهذيب، وتوصله بالإصلاح فى جوانب الحياة مجتمعة، من وراء استطاعة القصد موصولًا بالله على قدر الطاقة.