عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

 

 

السعادة‏ ـ كما وصفها تولستوي ـ ‏تكمن في تملك‏ ‏ثلاثة‏ ‏أمور «‏شيء‏ ‏تعمله‏، ‏وآخر‏ ‏تحبه،‏ ‏وثالث‏ ‏تطمح‏ ‏إليه».. أما أرسطو فأطلق اسم «يومونيا» باللغة اليونانية على معنى السعادة، واصفًا إياها بأنها ليست شيئًا نقدمه للآخرين، أو تلبية احتياجات ورغبات مادية فقط.

بعد مرور ست سنوات على نشر أول تقرير للأمم المتحدة لقياس مستوى السعادة والرفاهية لدى الشعوب في أبريل 2012، اختلفت المقاييس والنظريات باختلاف الانتماء الديني والعرقي والجغرافي.. وحتى المستوى الثقافي والحالة النفسية!

لكن يبقى سؤال: نظرًا لاعتماد هذا التقرير على معايير مادية بحتة، تُطبق على دول العالم بأسره دون النظر إلى اعتبارات الاختلاف بين الغرب المتقدم والمستقر إلى حدٍّ بعيد، والشرق النامي المضطرب بشكل كبير.. فما مدى مصداقية هذا الترتيب العالمي؟

من الطبيعي أن نقبل بترتيب الدول العشر الأوائل المتربعة على عرش الشعوب الأكثر سعادة، لأنه لا أحد يشك في مدى توفيرها شروط الرفاهية والعيش السعيد والحياة الراقية لشعوبها.

لكن ما يدعو للاستغراب وجود بعض الدول في قائمة الترتيب، على رغم تزايد مؤشرات معدلات الانتحار وحالات الطلاق وانتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير، ما يجعل هذا المقياس محل خلاف ومثارًا للجدل!

قبل أيام، زفت الأمم المتحدة «البشرى» بأن فنلندا هي أسعد دول العالم في العام 2018، لتتفوق على دول أخرى «سعيدة» مثل الدانمارك وأيسلندا وسويسرا وهولندا وكندا ونيوزيلندا والسويد وأستراليا.

إذن، الفنلنديون هم أسعد شعوب الأرض على الإطلاق، حيث يتوفر لهم كافة سبل الراحة والعيش الكريم، في ظل ارتفاع متوسط دخل الفرد، وانخفاض نسبة البطالة، وتميز الخدمات الصحية، في مناخ من الحرية والمساواة والعدالة.

نتصور أن أهم ما يميز فنلندا «السعيدة»، وما جعلها متقدمة ومتطورة ومتميزة عن الآخرين ـ في ظل جودة مستوى الحياة ـ هو أنها تركز كل اهتماماتها وإمكاناتها وميزانيتها على تطوير النظام التعليمي، الذي يعد الأرقى والأقوى في العالم، منذ سنوات طويلة.

الحال يختلف عندنا في العالم العربي «غير السعيد»، رغم دخول أربع دول ضمن الخمسين الأوائل، حيث إن كثيرًا من شعوبه تحكمها دكتاتوريات شديدة التخلف، أو ما يمكن وصفها بعصابات مافياوية وضعت شعوبها رهن تخلفها، بعد استحواذها على الأموال والثروات، فلا تنمية، ولا تطور، ولا حرية.. وبالطبع لا سعادة!

نعتقد أن التساؤل هنا يبدو مشروعًا ومنطقيًا، وهو كيف تأتي السعادة، بعد أن تم إفراغ التاريخ من أي محتوى إنساني، في ظل حاضر جامد لا يتجدد، كما لم يعد للمواطن العربي قضية سوى البؤس واليأس المستفحل، بشكل غير مسبوق؟!

لقد ابتعدت السعادة عن عالمنا العربي، كما هي الحال في المسافة بين المشرق والمغرب، في ظل واقع أليم، يدفع حتمًا لليأس والإحباط والسلبية.. بل والتعاسة أيضًا، ما أفرز تيارين، الأول فاقد للثقة، والآخر انفعالي ضلَّ الطريق!

الأوضاع السائدة ليست سوى أزمات تتجاوز وصف الكوابيس، بعد تزايد وتراكم الخطايا والأخطاء ـ جيلًا بعد جيل، على مدى عقود ـ ما استتبعه حاضر سيء، ومستقبل غامض مجهول، أشبه ما يكون بالموت البطيء، ولذلك فإن العرب تائهون عابسون.. حاضرهم مذموم وغدهم مجهول!

أخيرًا.. ربما يجد المواطن العربي «السعيد» بعض العزاء في قول «الحطيئة»:

ولست أرى السّعادة جمع مالٍ

          ولكنّ التقيّ هو السّعيدُ

وتقوى الله خير الزّاد ذخراً

          وعند الله للأتقى مزيدُ

وما لا بد أن يأتي قريب

          ولكن الذي يمضي بعيد

[email protected]