عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

 

 

يحتقرونك. يمنحونك نظرات ارتياب، ومشاعر كراهية. يطلبون صمتك أو تصفيقك، أن تخرج من المشهد، وتتوارى، وتتدثر بالخوف، وتلتحف بالجمود. أنت تكتب. أنت تُبدع. أنت تُفكر. أنت تختلف عنهم فأحذر رصاصاتهم.

عن أولئك الذين لا يرون فى المثقفين سوى شر مستطير. يعتبرونهم مرضاً وابتلاءً. مطباً على طريق التنمية، وحاجزاً فى مسيرة التقدم. يقولون عنهم «متفذلكين» بل إنهم فى نظر البعض أخطر فئة على المُجتمع. خرج واحد واثنان وثلاثة يزايدون على حرية التعبير وحرية الرأى ليسبوا الثقافة والمبدعين. تصوروا أن تصبح الثقافة جريمة، والمعرفة خطيئة، والتفكير خروج عن الأدب والقانون. ذلك ديدن الأمم الشمولية التى لا تنهض ولا تتغير ولا تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. وتلك نظرة النُخبة المصرية لمن يتكلم ويتفلسف ويبدع. شاعراً أو مُفكراً أو كاتباً أو غير ذلك.

أتحسر على أزمنة احتفت بالمبدعين فأنتجت مصر أم كلثوم وتوفيق الحكيم وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم من الأفذاذ والعباقرة. أتحسر أكثر عندما أقرأ خبراً عن قيام بريطانيا قبل بضعة أسابيع بإصدار عملة ورقية فئة العشرة جنيهات وعليها صورة الأديبة جين أوستن احتفالاً بمرور مائتى عام على وفاتها، وأسفلها عبارة «لا توجد متعة كالقراءة». مائتا عام ومازالت صاحبة رواية «كبرياء» حية، مائتا عامٍ ومازالت بلادها تتذكرها مثلما فعلت مع ويليام شكسبير وتشارلز ديكنز من قبل.

مرة ومرات كتبت عن التأسيس المؤسسى للجهل، وبناء مؤسسات التخلف، وزرع بذور السطحية واللاإبداع فى عالمنا العربى. واقترحت فى مئوية المبدع نجيب محفوظ أن يُطلق اسمه على مطار أو مدينة جديدة، بل إننى اقترحت يوماً أن تُسمى العاصمة الإدارية الجديدة باسم عبقرية عالمية مثل «محفوظ» ويومها أيد كثير من أهل الثقافة والإبداع المقترح، ونقله أحدهم لذوى الرأى والنفوذ، ويبدو أن الحماس فتر، وخفت ذكر أديب نوبل، ورحل عشرات المُبدعين دون تأبين أو احتفال أو تكريم.

صمت مُطبق كان معتاداً. لكن أن يتحول تجاهل الثقافة إلى ازدراء وتحريض وإرهاب لكل مَن يفكر ويكتب ويُبدع، فذلك هو السقوط.

لا أمة تعلو دون ثقافة. لا دولة تتقدم من غير إبداع. كتب قلبت حضارات وأنتجت إنجازات. روايات غيرت العالم. خيال بدل مصائر الشعوب. قصائد شعر أخرجت أمم من الظلمات إلى النور. مقالات أسقطت حكومات وكتابات شطبت على نظريات.

يقول الرائع نجيب محفوظ «ثمة موت يدركك وأنت حى». ويقول الشاعر الجميل محمد الماغوط «إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى.. الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء»، والجهل موت، والصمت موت، والتقليد موت والجمود، والخوف، وازدراء الإبداع موت. والمؤسف أن يحتفى البعض بجثث المبدعين واحداً بعد آخر وينكرهم ويحتقرهم فى حياتهم باعتبارهم خارج السيطرة.

والله أعلم.

[email protected]