رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

قال تعالى «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون».. (آيه 170 من سورة البقرة).. من السطحية والتبسيط المخل أن نتصور أن المقصود بالكلام والمعنى فى الآية الكريمة المشركون من عرب الجاهلية فقط وأن الأمر لا يعنى الأمم المتعاقبة على هذا الزمان الغابر.. وأعتقد أنه لا توجد على الأرض أمة مصابة بعقدة الحياة حتى الموت فى الماضى مثل أمة العرب.. نحن قوم نمجد كل قديم ونقدس كل منقول بغض النظر عن مجافاة الكثير من هذا وذاك مع العقل والعصر والمنطق والمصلحة ومقاصد الشريعة الحقيقية.. المشكلة التاريخية التى وقعنا فيها أننا اختصرنا تجارب التاريخ فى أشخاص إذا كانوا بخير كانت الدنيا بخير وإذا انحرفوا وضعفوا وضلوا تدهورت أحوال العباد وتخلفنا عن سائر الأمم.. المشكلة إذن أننا على مدى ما يقرب من خمسة عشر قرنا لم نحول الأشخاص إلى مؤسسات واختصرنا الدين فى أئمة والأوطان فى سلاطين، والنتيجة أنه تم تهميش المجتمع أو بمعنى أدق همش المجتمع نفسه بعد أن تنازل عن عقله المعاصر لصالح سلاطين القبور.

الدولة الحديثة أكثر تعقيداً من دولة القبيلة، وإذا كان الولاء لشيخ القبيلة يمنح أفرادها الأمان فالولاء للرئيس أو الملك فى زماننا مشروط بعقد اجتماعى يمنح المحكومين حق محاسبة ومساءلة الحاكم حال انحرافه عن نصوص هذا العقد.. لا يمكن اختزال أى دولة معاصره فى شخص لأنها تستمد وجودها وقوتها وهويتها من مجموعة مؤسسات.. عندما يأخذ البعض الحنين إلى عدل عمر ابن الخطاب أو عمر ابن عبدالعزيز فلأن العمرين بمرور الزمن لم يتحول عدلهما إلى مؤسسة مستقلة – وبقى العدل من عدمه مرهونًا بخيرية أو شرور أشخاص.. فى الأمم التى تقدمت وتجاوزت عبادة الأشخاص لم يعد مطروحاً بالأساس فكرة أن هذا القاضى أو ذاك سيقتص من ظلم الحاكم لأن العدل فى تلك البلدان أصبح مؤسسة هى التى تقتص بقيمها واستقلاليتها من جور هذا الحاكم أو ذاك.

فى تاريخنا الإسلامى لا نستطيع أن نضع يدنا على فقه دستورى ولا مؤسسات تشريعية لأنه ببساطه تم ربط الفقه بأشخاص وليس مؤسسات، ولهذا السبب مازالت الانتخابات التشريعة غريبة عن ثقافتنا وقيمنا، وما دام الأشخاص يعينهم السلطان ويقيلهم - بالتالى تظل العدالة كقيمة وحق إنسانى رهينة خيال وخلق السلطان.. هنا تتساوى الديكتاتوريات الدينية والسياسية فى الغايات.. الدكتاتورية الدينية تكفر معارضيها والدكتاتورية السياسية تخون خصومها.. وجهان إذن لعملة واحدة.. وحين اختزلت المؤسسات فى أشخاص واختزلت الأوطان فى حكام كانت النتيجة المأساوية تاريخيا أن مؤسسة وحيدة هى البارزة فى تاريخنا العربى الإسلامى وهى مؤسسة الاستبداد التى طبعت المجتمعات بطابعها ومسخت العقل الجمعى وصبغت الفقه والفكر بصبغتها إلى أن وجدنا أنفسنا أمام تاريخ أشخاص يحكمون من قبورهم.