رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

ونحن صغار في القرية كنا نعتبر رش الميه عداوة، كان الأطفال يعبئون المياه في زجاجات وأكواب كبيرة ويقومون برشها علي بعضهم في الشارع.. المياه  كانت تجلبها الأمهات والشقيقات من النيل الذي  كان يبعد مسافة كبيرة عن المنطقة السكنية بواسطة أواني الفخار «الجرة» أو «البلاص».. لم تكن مية الحكومة تجري في المواسير كما يحدث اليوم وكنا نقوم بنزح المياه من البلاليص ونلعب بها في الشارع، لم يكن لعبا بمعني اللعب ولكنه كان خناقاً، أو حرب مياه بمفهوم الأطفال، فإذا قام طفل برش آخر بالمياه معناه انه يعلن عليه الحرب ويتحداه ويحتقره وأنه يسبه ويهينه، ويرد عليه الطفل المرشوش بمثل ما فعل، وتفضي الجرار في البيوت من المياه التي كانت معدة للخبيز والطبيخ والاستحمام وغسيل الملابس وعمل الشاي، وتستأنف البنات رحلة ملء الجرار من النيل وسط سخطهن علي أشقائهن الصبيان الذين يستمتعون بحرب المياه في الشوارع خلال فصل الصيف علي ضوء القمر ولن تتوقف الحرب إلا بعد نفاد آخر قطرة مياه في جرار وبلاليص البيوت أو مع  صرخة محارب في معركة المياه لدغه عقرب فيتوقف الجميع عن اطلاق قذائف المياه وينشغلون بعلاج المصاب، ويعود كل واحد الي بيته بعد الاطمئنان علي المصاب عندما يقوم الحاوي بمص سم العقرب من الجزء المصاب بعد وضع قطعة قماش علي فمه، ويحويه عن طريق قراءة بعض التعاويذ وتطورت طريقة العلاج بعد اكتشاف مصل العقرب وانتهت مهمة الحاوي الذي خضع لعملية تدريب تحويلي وأصبح مسحراتي في ليالي رمضان.

 رش الميه المتبادل بين الأطفال في الشارع كان بهدف اللعب، ولكنه كان عند الحكومة وظيفة، حيث كان يتم تعيين بعض العمال لتسوية الشوارع التي كانت ترابية في ذلك الوقت ينمو فيها نبات الحلفا،  ويقوم العمال بتسويتها، وكان كل اثنين من العمال يتوليان العمل في شارع طويل، ويقوم العمال بنقل لمياه من الترعة التي يقع عليها الشارع في جرادل لرش الشارع الطويل، وتغريقه بالمياه لتهدئة الزعابيب الترابية عندما تنطلق العواصف، وكنا نطلق علي هؤلاء العمال «الفرقة» وانقرضت هذه الوظيفة بعد انتشار شوارع الأسفلت.

الميه السايبة كانت تعلم اللعب، لم نكن ندرك أهمية المياه، المدارس لم تكن تعلم التلاميذ قيمة المحافظة علي المياه، وأصبح ليس من ثقافتنا المحافظة علي المياه، وكنا نقول إن المياه هبة من الله، ولا يمكن أن تنضب، تذكرت سوء تعاملنا مع المياه، وأنا أستمع الى محافظ القاهرة يطالب رؤساء الأحياء بالشخط في الناس التي ترش المياه في الشوارع أو تغسل بها العربيات واقترح تغريم المخالف 10 آلاف جنيه قلت ياه لسه فاكر.هل تطبق هذه الغرامة ويصبح رش المية جريمة، وتعمم العقوبة في كل المحافظات، أم يتحول الأمر إلى مجرد كلام محافظين؟