رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لا مبادئ فى السياسة. بالطبع لا أخلاق ومن يصدق السلطة (أى سلطة) ساذج. فى كافة النظم ومعظم الدول الكذب أساس، والغدر طريق، وجميع الساسة يقفزون من تل إلى آخر ويبدلوا وجوههم ومواقفهم وأفكارهم كما يبدلون أحذيتهم.

تحضرنى قصة موجعة تدفعنى دفعاً أن أستعيذ من سائس ويسوس ومن كُل فعل يخص السياسة كما فعل الإمام محمد عبده قبل أكثر من قرن.

قبل منتصف القرن التاسع عشر الميلادى كان هناك مغامر ذكى وداهية هو محمد على يجلس على مقعد الحكم فى مصر. واستطاع الرجل بإرادة قوية وقدرات لا محدودة الانفصال عن دولة الخلافة العثمانية فى اسطنبول وإقامة دولة مستقلة قبل أن يحقق انتصارات عسكرية عظيمة على العثمانيين فى الشام وفى تركيا نفسها.

ولما كان القبودان أحمد باشا فوزى قائد الأسطول العثمانى على خلاف مع خسرو باشا كبير وزراء الدولة العلية، فقد قرر المغامرة بكل شىء أملاً فى مكانة عظيمة لدى رجل المنطقة الصاعد محمد على باشا. وهكذا أبحر سراً بأسطوله دون أن يعلم أحد من الجنود بوجهته حتى وصل إلى الإسكندرية وقام بتسليم الأسطول بالكامل إلى محمد على. وفرح باشا مصر بالأمر فرحاً عظيماً، وأكرم أحمد باشا وأقطعه قصراً وخدماً ومنحه أموالاً واعتبر ما فعله جميلاً لا يمكن المكافأة عليه.

ولم تمر سنوات قليلة حتى تحالفت الدولة العثمانية مع أوروبا ضد محمد على وانتصرت عليه فى الشام ثُم حاصرت جيوش إبراهيم باشا وفرضت عليه شروطها مما اضطر محمد على إلى الاستجابة لاتفاق لندن ليضمن بقائه هو وأسرته فى حكم مصر. لكن الغريب أن السلطان العثمانى وقتها اشترط على محمد على تسليم أحمد باشا إليه حياً أو ميتاً.

وحار الباشا فيما يُمكن أن يفعله مع الرجل الذى ائتمنه على حياته وقدم له أسطول أكبر قوة بحرية هدية، وتحدث مع أحد خاصته، ففهم الرجل ضرورة اختفاء أحمد باشا من المشهد بأى ثمن. وهكذا أخذ الرسول زجاجة سم سريع المفعول من باشا مصر وذهب إلى قصر قائد الأسطول ومعه زجاجة السم ثُم طلب منه أن يشربا قدحين من القهوة، وقال له إن الدنيا زائلة وأن ما عند الله خيرٌ وأبقى. ثُم أخبره أن أسهل موت هو الموت بعد فنجان قهوة سريعة، وفهم أحمد باشا الأمر، فقام وتوضأ وصلى ركعتين توبة لله قبل أن يرتشف فنجان القهوة فى طاعة وامتثال.

كانت النهاية هادئة، وسلسة، وقبل السلطان العثمانى تسليم قائد أسطوله الهارب جُثة ساكنة، بينما أصدر قراراً بالعفو عن كافة جنود الأسطول.

لا عزيز لدى سلطان، ولا غال لدى حاكم، والأمثلة تتكرر، والنماذج تتوالى فى كل عصر. أصدقاء اليوم هم أعداء الغد، وحلفاء الأمس هُم خصوم الحاضر.

تُدهشك المواقف، وتُزعجك التحولات، ويُحزنك التلوّن. لا تحزن فالسياسة مُرة مرار الحصرم. ورحم الله جدتى عندما كانت تردد فى بساطة (البعيد عن السلطان سلطان). فابتعد تسلم.

والله أعلم.

[email protected]