عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لازم أتكلم

بهر ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان المصريين بحديثه الصريح للكتاب والمثقفين والإعلاميين والمسئولين كل المصريين، وخلال 120 دقيقة، قدم الأمير الشاب (32 عاما) نفسه بما يحمله من فكر ورؤية، ورغبة قوية فى التغيير والإصلاح، قائداً ومؤسساً للدولة السعودية الرابعة، أو السعودية الجديدة، مكملاً بناء الدولة السعودية الثالثة التى بنى لبناتها الأولى، ووحد شطريها نجد والحجاز فى مملكة واحدة الملك عبدالعزيز عام 1932.

 وعلى خطى الجد وبلمسات وخبرة وحكمة الأب، انطلق محمد بجرأة وشجاعة، يرسم مستقبل بلاده، وورث أجداده، يثبت للعالم، أن هذا الشبل من ذاك الأسد، وأن والده سلمان كان محقاً وصائباً، عندما تحدى به العالم وكل نظريات وأنظمة الحكم حين اختاره ولياً لولى العهد، ثم ولياً للعهد ووزيرا للدفاع .

ولم تمض شهور معدودة، حتى صار محمد بن سلمان، أمير المهمات الصعبة والملفات المستحيلة والقرارات الجريئة، يقود أخطر جراحة عصرية للعقل السعودى، ويقلب الدنيا رأساً على عقب، دينيا وفكريا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا، محطما كل أصنام الموروث التقليدى، قائدا لمعركة صعبة، انتصر فيها للعصرنة والتحديث الصادم، برؤية واستراتيجية شاملة أطلق عليها (2030) وبرنامجا قويا للتحول الوطنى، دشن به أخطر التحولات الاجتماعية، فى دولة كان كل العالم ينظر إليها على إنها عصية على التغيير.

 ووسط ظروف داخلية وخارجية عالمية بالغة الصعوبة والتعقيد، نجح ولى العهد السعودى فى إقناع المؤسسة الدينية بتغيير يمليه الواقع وتفرضه التحديات، والتطور الذى تشهده المملكة فى مختلف المجالات .

وبكل هذا النجاح الذى حققته ثورته الصامتة البيضاء، ولمواجهة حالة الانقسام والتشرذم العربى، أراد بن سلمان أن يحافظ على حائط الصد العربى، الذى يصعب هدمه أو تدميره؛ طالما بقيت مصر قوية أبية عصية على اية مؤامرات، فكانت زيارته الأخيرة للقاهرة حاملة أكثر من مغزى وهدف، ليس على مستوى البلدين فقط وإنما على المستويين الإقليمى والدولى.

جاء مؤسس الدولة السعودية الرابعة، ليخبرنا والعالم أن المملكة تغيرت، حتى وإن بقيت الجذور جزءا من الماضى، يقول لنا إن السعوديين الذين قدموا للعالم نموذج لتحدى الفقر والمرض قبل تفجر البترول فى صحاريهم، هم نفس السعوديين الذيم يقدمون للعالم اليوم نموذجا فى التغيير السريع الذى يستهدف مصلحة كل أبناء الوطن بمختلف شرائحه وفئاته، ويقول لنا أيضاً إن المملكة لم تعد بترولاً فقط، وإنما نهر جديد من الفكر المستنير، المتسامح مع الآخر، فى دولة حديدة ومختلفة قرر أبناؤها أن يحصدوا ثمار التغيير .

ولذا كان من حق ولى العهد السعودى أن يفخر وهو يعلنها صريحة أنه استمد أمل التغيير من مصر ورئيسها، وأن يباهى الأمم بنجاحه فى كسب رهان النجاح، فيما تتداعى من حوله أنظمة حكم أخرى، ظنت يوما أن المال وبراميل النفط ومستودعات الغاز يمكن وحدها أن تقيم دولة، حتى استيقظوا على فشل ذريع، لن يتمكنوا من اجتيازه، إلا إذا عادوا للحق، وتولدت بداخلهم إرادة وعزيمة وجرأة وشفافية محمد بن سلمان .

جاء محمد بن سلمان ليعلن للعالم أن العلاقة مع مصر أزلية أبدية، ومهما اختلفت رؤى الحكام، لا تنفصل خيوط نسيج الشعبين، جاء ليروى لنا تجربته فى تطويع الدين لخدمة المجتمع، بالاعتدال والوسطية، مستندا إلى القاعدة الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات)، وهى القاعدة التى بنى عليها السعودية الجديدة، التى نرى فيها الآن سينما، وعروضا للموضة والازياء النسائية، وسيدات يقدن السيارات رسميا، ويجلسن فى مدرجات الجماهير الرياضية، قرب أشقائهم الرجال، وحفلات موسيقية، ومسابقات نسائية للشطرنج، ونرى فيها الفتاة لاعبة للكرة رياضية وفنانة ومبدعة.

حضر بن سلمان ليقول إنه نجح فى مكافحة الإرهاب، وتقليص نسبة التطرف والتشدد فى المملكة إلى (10%) بعد أن كانت (60)، وبافتتاحه لترميمات الأزهر الفاطمى (منارة أهل السنة فى العالم) وزيارته للكاتدرائية المرقسية بالعباسية ولقائه بالبابا تاوضروس ودعوته لزيارة السعودية، ضرب محمد بن سلمان عصفورين بحجر واحد، أثبت أن المملكة لم تعد وهابية متشددة، وأن أهلها صاروا أكثر تسامحا وتعايشا، وإيمانا بالتنوع الدينى .

أتى بن سلمان، ليقول إنه أول قائد سعودى يعترف بوجود فساد فى بلاده، ولم يتركه أو يغض الطرف عنه، وإنما أعلن الحرب عليه، حتى ولو كان داخل أنفاقه أمراء ووزراء ومسئولون كبار.

أوجز الأمير الشاب، ولخص نظام حكمه فى كلمتين عندما قال( السعودية ملكية قبلية) لا يحكمها إلا القانون عرفيا كان أو رسميا، بمعنى أن كل شيخ قبيلة وكل أمير منطقة أو محافظ يمثل الملك، وتلك قمة الديمقراطية التى لا يمكن تطبيقها إلا فى المملكة فقط، لما تتميز به العلاقة بين الحاكم والشعب من متانة وقوة.

كشف الرجل عن فلسفة بلاده فى مواجهة الإرهاب، واعترف بأنها كانت مخطئة يوما مثل دول كثيرة فى المنطقة، عندما اعتمدت على الإخوان لمواجهة المد الشيعى المتطرف، والاحقاد الإيرانية السرية، وكان شجاعا عندما كشف عن فصل وإبعاد بعض القضاة المتشددين، وتطهير هيئة كبار العلماء من الإخوان .

 

راهن بن سلمان على الاستمرارية وعامل الزمن فى إضعاف سلاح مقاومة التغيير والاصلاح وقد صدقت توقعاته وقوله للمتشددين «إما أن تقتنعوا أو تصمتوا»، ويقود الآن معركة شرسة لتطهير المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافى، معلنا انه لن يسمح للمتطرفين باختطاف الدين والوطن، ولن يسمح بتكرار ما حدث من احتلال جهيمان العتيبى للكعبة والحرم، تزامنا مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 .

إن زيارة الأمير محمد، وإن كان كانت لها مدلولات كثيرة، إلا إنها قدمت لنا قائدا عربيا، شابا، مثقفا، طموحا، متزنا، ومتدينا، وعصريا، ورث عن جده ديبلوماسية الحكم وجرأة القرار، وعن والده فن إدارة الدولة وعلاج مشاكلها بالجراحة العاجلة.