رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بدون رتوش

يوم الجمعة الماضى رحل عن عالمنا الرمز المناضل والقمة الشامخة والعملة النادرة الفارس «طارق عزيز»، انه النجم الكبير والشهيد الجديد الذى انضم إلى شهداء العراق الأبرار الذى وافته المنية إثر تدهور صحته وإصابته بذبحة صدرية حادة، برحيله يكون قد نال حريته بعد أن ظل أسيراً فى السجون منذ أن احتلت أمريكا العراق عام 2003، لم يرحموا تاريخه المشرف ووطنيته الجارفة وعروبته الأصيلة، لم يرحموا مرضه وشيخوخته فأبقوا عليه رهين المحبس كل هذه السنوات.

التقيته مرات عديدة فى العراق عندما كان وزيراً للخارجية، وكان آخر لقاء لى  معه فى فبراير 2003 أى قبل الاحتلال بشهر واحد يومها كان قلقاً مسكوناً بالخوف على العراق الوطن الذى أحبه حتى الثمالة، كان رحمه الله ثرى المعرفة، قمة فى التواضع، يؤمن بالمبدأ ويعلى القيم ويتصدرها قمة الوفاء وهى خصلة نادرة فى عالمنا اليوم، فلقد آثر أن يسجن على أن يدلى بشهادة تدين رفيق دربه «صدام» وذلك عندما عرض عليه فى المقابل العفو وأن يظفر بعيشة رغدة فى أمريكا وأوروبا، رفض العرض المغرى، فلقد كان قبوله له سيمثل خيانة للوطن ولضميره ولقائده، أبى الرمز أن ينحنى أمام التهديدات وأن ينصاع لجبروت الاحتلال، تشبث بالمبدأ وبالثوابت التى آمن بها، أثر أن يسجن رغم مرضه ومتاعبه الصحية، فكان عن حق عملة نادرة.

كان طارق عزيز عروبياً مخلصاً لوطنه وأمته التى دافع عن قضاياها وخاض كل معاركها ليصب عداءه على إسرائيل فهى عدو الأمة بلا منازع، لم يرضخ لشروط الاحتلال ولم يصب بآفة الطائفية والمحاصصة التى زرعتها أمريكا فى أرض الرافدين، تمتع بحرفية الدبلوماسى البارع وعكس عن حق الوجه الحضارى لدولة العراق، كان أبياً قوياً يتذكر له الجميع مواقفه لا سيما فى تعامله مع الأمريكيين، جاءه ذات يوم «جيمس بيكر» وزير الخارجة الأمريكى الأسبق وكان يحمل رسالة رئاسية، إلا أن عزيز رفض تسلمها بعد أن تبين له أنها تحوى تهديدات، وإهانات تمس كرامة العراق، فما كان منه إلا أن غادر الغرفة مرفوع الرأس وظلت الرسالة على الطاولة أنه طارق عزيز الذى رأى فيه الكثيرون رمزاً لمرحلة تاريخية استثنائية، واكبتها أحداث دراماتيكية وتحولات استراتيجية كبرى مازالت تبعاتها قائمة حتى اليوم إقليمياً ودولياً، قاد الدبلوماسية بحرفية واقتدار ومن خلالها استطاع الحفاظ على تحالفات استراتيجية ومد الجسور مع  منظمات دولية كالأمم المتحدة التى توصلت معها الى اتفاق «النفط مقابل الغذاء» لينقذ العراق من مجاعة كادت أن تعصف به من جراء العقوبات الاقتصادية التى فرضت عليه منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى واليوم وحتى بعد أن رحل ستبقى ذكراه حية فى القلوب تؤكد صمود الرمز الذى مازلت أتذكر مقولته الحكيمة التى كثيراً مارددها: «سأظل عراقياً  حتى آخر العمر، فالحياة لا تساوى شيئاً إذا تنازل الإنسان عن كرامته ووطنيته»، رحم الله طارق عزيز أيقونة العصر الجميل.