رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

بين رؤية السلطان وحاجات الرعية، كم تتوه من الحقائق وغالباً ما يتم اغتيالها باسم الدين والتدين مرة وبدعوى أمن البلاد والعباد مرات ومرات.. وفى القرن الرابع عشر الميلادى (1300 – 1400) سجل ابن خلدون شهادته على عصر من عصور الانحطاط، وذلك فى مقدمته الشهيرة وتحديداً فى جزئها الثالث، قائلاً: «بعد هجوم الغزالى على الفلسفة والفلاسفة وبعد محنة ابن رشد ومنشور الخليفة الموحدى يعقوب المنصور الذى أمر فيه بحرق كتب الفلسفة، ثم فتوى ابن الصلاح الشهرزورى (643 هجرية) التى ورد فيها أن الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المطهرة.

 بعد كل ذلك لم تزدد حملة الفقهاء على الفلسفة وعلومها إلا شدة وعنفاً، حتى قال الذهبى وهو من علماء القرن الرابع عشر الميلادى: إن الفلسفة الإلهية لا ينظر فيها من يرجى فلاحه وأن هذا العلم فى شق وما أتت به الرسل فى شق. ويقول الدكتور محمد عابد الجابرى فى مؤلفه «فكر ابن خلدون – العصبية والدولة «لقد استقر فى الأذهان منذ حملة الغزالى على الفلاسفة أن الفلسفة علم غير مرغوب فيه من الوجهة الدينية. بل إن تهمة الاشتغال بالفلسفة، وبالتالى الكفر والإلحاد كانت سيفاً مسلطاً يهدد الرقاب باستمرار».

تلك كانت حملة الفقهاء على الفلسفة التى هى علم البحث عن الحقيقة القائمة على البرهان العقلى، ولم تكن حملتهم إلا استجابة لرغبة ومصالح الخليفة، يعقوب المنصور، الذى انتصر للنقل على العقل فى قضية خلق القرآن ليدخل الاجتهاد والتفكير العلمى نفقاً تاريخياً مظلماً استمر خمسة قرون سيطرت خلالها الخرافة واستبد فيها السلاطين وعم الفساد والانحطاط وبدا للعامة والخاصة أن الظلم قرين الجهل والاستبداد قرين الفقر والتخلف، وأن الإنسان تهوى قيمته وآدميته كلما طال أمد السلطة وزاد غلو السلاطين فى الجاه والاستحواذ.

الاهتمام بالفلسفة وعلومها فى العصر العباسى الأول والثانى يقابله اليوم حلم حرية المصير والاختيار فيما يعرف بالديمقراطية والحكم الرشيد، وهو الحلم الذى لم يطلع له فجر فى بلاد العرب من زمن الإمام الغزالى ولحظة حرق كتب ابن رشد.. عداوة السلف للفلسفة كخطر يهدد الشريعة حسب ادعاءاتهم هو نفسه ما يجابه دعاة الحرية والحكم الرشيد من عنت ذوى السلطان فى زماننا.. التهم نفسها تخرج من دواليب التاريخ بمسميات وتخريجات جديدة وبنكهة العصر مثل تكدير الأمن العام وتهديد السلم الاجتماعى وإثارة البلبلة والفتن.

حكمة التاريخ الذى اهتم به ابن خلدون تقول لنا اليوم إن المفتاح الذى يفتح كل الأبواب مفتاح مزيف، لأن لكل باب مفتاحه، كما لكل مجال أهله ولكل علم باحثوه ولكل صناعة خبراؤها، ويدلنا ذلك إلى حقيقة أن الانفراد بكل الأمور مهلكة والتعصب للأفكار غلو فى غير محله، وأن أعظم الفضائل تلك التى يجتمع عليها الناس دون إكراه ولا ادعاء.