رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوالنا

 

والدولة المقصودة هنا هى الولايات المتحدة الأمريكية فى أوائل السبعينيات أثناء احتدام حرب فيتنام التى كبدت الولايات المتحدة خسائر فادحة فى الأرواح وأذاقتها الذل والهوان بعد أن أظهرتها فى صورة العملاق الذى يدعو حاله إلى الرثاء. وقد أعاد التذكير بتلك الحرب وأجوائها والدعوات الرافضة لها من مظاهرات صاخبة لمناهضة الحرب، إلى امتناع شباب عن قبول التجنيد الإجبارى خشية الدفع بهم إلى أتون الحرب فى فيتنام، الفيلم البديع (البوست) الذى ضم ثلاثة من عباقرة الفن السينمائى المعاصرين، وهم نجما التمثيل ميريل ستريب وتوم هانكس والمخرج ستيفن سبيلبرج.

تدور أحداث الفيلم حول نشر صحيفة النيويورك تايمز، كبرى الصحف الأمريكية، وثائق سرية مسربة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). وتظهر هذه الوثائق بكل وضوح أن البنتاجون يعلم تماماً أن الولايات المتحدة لن تستطيع بأى شكل من الأشكال كسب الحرب الدائرة فى فيتنام، وأنها ستمنى بالهزيمة فى هذه الحرب لا محالة. وعلى الرغم من النتيجة التى توصلت إليها الدراسات التى تضمها هذه الوثائق، فإن الحكومة الأمريكية أخفت الأمر عن الشعب، وقررت الاستمرار فى هذه الحرب الخاسرة. وبعد أن نشرت «النيويورك تايمز» هذه الوثائق السرية، جن جنون الحكومة واستصدرت حكماً قضائياً بمنع الصحيفة من نشر هذه ، باعتبار أن ذلك يضر أمن الدولة. وقد انتهزت صحيفة «الواشنطن بوست» فرصة وجود ثغرة فى أمر المنع القضائى لأنه حدد المنع بصحيفة «النيويورك تايمز»، فسعت بدورها للحصول على تلك الوثائق حتى تحقق لها ذلك بعد جهود ومناورات تبين نوع المعاناة التى يتكبدها الصحفيون فى عملهم الاستقصائى. وبعد أن توافرت الوثائق كان على رئيس تحرير «الواشنطن بوست»، «بن برادلى» الذى لعب دوره «توم هانكس» وصاحبة الجريدة أو الناشرة «كاثرين جراهام»، وقامت بدورها «ميريل ستريب» اتخاذ القرار المصيرى بنشر الوثائق وتحمل التبعات، أو نسيان الأمر والعمل بمبدأ السلامة، ويا دار ما دخلك شر.

وفى حوارات بديعة جرت بين الأطراف المختلفة، عرض الفيلم فى إيجاز مكثف لوجهات النظر المختلفة حول الموضوع. فمن ناحية رئيس التحرير، كانت الأولوية القصوى للمهنية وحرية الرأى والتعبير. وكان الشغل الشاغل للقانونيين عدم الوقوع فى خطأ قانونى يعرض مسئولى الصحيفة للسجن، خاصة أن مصدر الوثائق التى منع نشرها فى «النيويورك تايمز» هو نفس المصدر الذى استقت منه «الواشنطن بوست» الوثائق. أما مسئولو الاقتصاد فى الصحيفة فكان همهم ألا يؤثر هذا النشر على المستثمرين حملة اسهم الصحيفة الذين يمكن أن يؤدى سحب أموالهم من الصحيفة إلى إفلاسها.

وكانت كل هذه المشاكل تصب فوق رأس الناشرة «كاى جراهام»، التى يتعين عليها اتخاذ القرار النهائى. وبعد تفكير مبنى على حسابات جرت فيما أتيح لها من وقت ضاغط حيث ماكينات الطباعة كانت بانتظار شارة البدء كان القرار الشجاع بالنشر. وقد تمثلت شجاعة السيدة «جراهام» فى أنها كانت معرضة للسجن من الرئيس «نيكسون»، الذى لم يكن يخفى كرهه للصحافة والصحفيين، كما أنها غامرت أيضاً باتخاذ قرار كان يمكن أن يهدد الصحيفة من الناحية المالية ما يؤدى إلى إفلاسها. ولكنها اتخذت القرار الشجاع مستندة إلى شىء مهم، وهو أنه فى صالح الشعب. وقد أيدتها المحكمة العليا فى ذلك وأصدرت حكمها لصالح «النيويورك تايمز»  و«الواشنطن بوست»، ورأت أن النشر يتماشى مع الدستور الذى يدعم حرية التعبير ويدعم أمن الدولة. وقد أتيحت لى فرصة لقاء هذه السيدة الشجاعة فى الثمانينات ولكن هذا موضوع مقال آخر.