رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

تأكلنا.. تقتلنا.. لا نتركها أو تتركنا الا مع وداعنا للدنيا، نبدأ حبوا ونحن شباب على بلاطها.. وما إن تطأها أقدامنا حتى نبدأ اللهاث.. لهاث لا يتوقف الا بتوقف نبضنا، يرفع الشريف منا فى مملكتها سيفا وحيدا.. هو قلمنا فى وجه الظلم والقهر والفساد، يقودنا لهاثنا لاختصار الأزمنة ومسافات الحياة فنسقط كورقة شجر فى الربيع قبل الخريف، عندها فقط تكون الراحة، راحة الصحفى بموته ليخلف وراءه مأساة الفراق والألم لأسرته ولكل من احبوه، وهأنذا مجددا اكتب مرثية فى زميل آخر، كم أكره رثاء زميل، فرثاؤه يعنى اننى لن أراه ابدا فى أى صباح، لن أدعوه أو يدعونى على كوب شاى او «ساندويتش طعمية ساخنة» على عجالة بين ساعات العمل، يعنى انى لن اثرثر وأتجادل وأتفق واختلف حول قضايا حياتنا، يعنى أننا لن نترحم معا على أيام الشباب التى طارت وحل مكانها المشيب، وعلى أيام عشنا كل جمالها وبراءتها وتنافسها الشريف لتتبدل الآن بكل النقيض،  يعنى ان 30 عاما من الزمالة والاخوة والصداقة صارت مجرد كلمات وحفنة من الدمع اذرفها أمام قبره وأرحل وأنا أسأل نفسى، متى سيحين دورى.

 نتساقط واحدا تلو الآخر.. وها هو جمال يونس يرحل عنا فجأة، كما كان يأتى الجريدة فجأة ويغادرها فجأة لارتباطاته بمواعيد عمل، لا تغادره ابتسامته الهادئة وصوته الخفيض ومشيه على الارض هونا، عرفت جمال فى كل مواقفه، فى صراعاته ضد الفساد والظلم، فى نجاحه وفرحه، فى ألمه و لحظات يأسه، فى مواقفه الانسانية الخاصة جدا التى وقفها بجانبى وبجانب غيرى من الزملاء من خلال اللجنة النقابية وتبنيه انشاء صندوق الزمالة، فاجأنى قبل أمس زميل وأنا ادلف للجريدة بجملة «البقاء لله جمال يونس مات»، استندت إلى الجدار ودموعى لا تتوقف وأنا أردد فى ذهول «لا الله الا الله.. لا حول ولا قوة الا بالله»، على الجدار صلبت نفس الورقة المقيتة بنعيه، الحزن ورائحة الموت والوداع تخيم على بيت الأمة، يضربون كفا بكف ويتبادلون كلمات العزاء والصدمة «لسه كان معانا امبارح على الفيس، لسه باعت مقالته ومكلمنا.. لسه ولسه» الموت اختطفه فجأة وهو جالس بين افراد اسرته الصغيرة، الموت بلا مقدمات مفجع وصادم.

دفناه، جمع غفير حول الجثمان، يبكيه بحرقة من عرفه عن قرب وأحبه وعايش مواقفه الصادقة، ويتمتم بلا حزن أو دمع من اختلفوا معه، ويفكر آخرون فى احتلال مكان العمل الشاغر الذى خلفه برحيله عملا بمقولة «الحى أبقى»، اغادرهم وفى اذنى شريط الذكريات.. جدلنا.. مهاتفاتنا الطويلة التى كان يفاجئنى بها كلما استشعر بوجود اى مشكلة أواجهها، فكنت احكى له بلا مواراة ويقودنى إلى حل حكيم ورصين، أتذكر انه أول من سألنى عقب عودتى من هجرتى الطويلة لهولندا: « فكرتِ قبل عودتك، ألن تندمى على قرارك، لقد تغير كل شىء يا اختى عما كان عليه الحال زمان»، بالفعل يا جمال كل شىء تغير، الا انت واخرين طيبين، لم تتغير وانت تترقى وتصبح كاتبا له قلمه المقروء، سأذكرك دوما يا جمال برفضك واعتراضاتك لأمور كثيرة فى عملنا وحياتنا، لم تكن ابدا يائسا، كان لديك امل وطموح بأن الغد سيكون أفضل.. لكن القدر لم يمهلك لتعيش هذا الغد.

نفضنا عن ملابسنا تراب الطريق إلى قبره.. وجففنا دموعنا، وغدا تتضاءل احزاننا، ولكن يبقى لأولى الألباب الموت عبرة وعظة.. فهل نتعظ ونعمل لآخرتنا ونتوقف عن الظلم وعن صراعات غير شريفة.

[email protected]