عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عرفت المفكر الكبير الدكتور جلال أمين من خلال حضوره إلى الصالون الثقافى للدكتور وسيم السيسى، وظهر لى كحدوتة مصرية سياسية واقتصادية واجتماعية لكنه يعطى الاقتصاد أولوية كبيرة ذات تأثير فى المصريين، مع تأكيده أن الثقافة والدين والثورات والأخطار جميعها تؤثر، لكن الدين لا يتأثر بالاقتصاد ولكن فهم الدين يتغير بالاقتصاد، وضرب المثل بالفوارق الشديدة جدًا بين تفسيرات الإمام «محمد عبده» و«رشيد رضا» و«حسن البنا» و«سيد قطب» والشيخ «الشعراوى»، وباقى الجماعات الإسلامية.. وهذه التفسيرات تغيرت بتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ليس لهؤلاء المفسرين بل ظروف المجتمع المتلقى لهذه التفسيرات ولأن كل مفسر كان يخاطب الناس بما يفهمونه، وإلى حد كبير بما يقبلونه.

ويبرهن الدكتور «جلال» على تأثر الثقافة بالاقتصاد، لأنه يمس مطامح الناس سواء فيما يتعلق بحالتهم الاقتصادية أو بقلقهم على مستقبل عائلاتهم، وهذا القلق يؤثر على سلوكهم وقراراتهم.. والثقافة أيضًا ترتبط بالظروف الاجتماعية، فعندما تتغير طبيعة الطبقة الاجتماعية المتلقية للثقافة تتغير أذواقها الثقافية، وبالتالى يتأثر منتجو الثقافة فيما يقدمونه من إبداع، وهذا ما حدث فى مصر أكثر من مرة.

ويؤكد أن كل مجتمع له ثوابت وليست كل الثوابت جيدة، لأن كثيرًا منها يتعرض للتغيير، ومن ثوابت المجتمع المصرى الصبر والتدين بمعناه العميق، وليس بالخطابة والشكل وهذا ما يجعل المصرى بطبعه متسامحًا مع الآخر المختلف عنه دينيًا أو ثقافيًا، ويستشهد «أمين» بمقولة المستشرق «إدوارد لينى» فى أن الشعب المصرى ليس حادًا فى التعبير عن عواطفه، لأنه إذا تشاجر اثنان من المصريين يكفى أن يأتى شخص ثالث ليقول لهما «صلوا على النبى» فيصليان على النبى وتنتهى المشاجرة.

وهذا كان سببًا لفشل الفتن الطائفية فى مصر، وأيضًا قبول المصرى بالقدر والقسمة والنصيب، وهذا يظهر فى موقفه المتحضر من الموت، ونظرته المتحضرة للأطفال والغرباء والمرأة التى يدافع عنها ويحميها وهذا بُعد حضارى وإنسانى لم يتغير فى المصرى، وأيضًا روح الفكاهة التى يتميز بها المصرى ويتخذها موقفًا فى الحياة وليس مجرد هزار وتنكيت.

وأذكر عندما اتصلت بالدكتور «جلال» لتحديد موعد لإجراء الحوار..

قال: إنه لا يريد التحدث فى السياسة.. فقلت ومن هو ذلك الصحفى الذى يحاورك فى السياسة ولك مؤلفان مهمان هما «ماذا حدث للمصريين» و«عصر الجماهير الغفيرة» والذى أراهما من أهم الدراسات التى فسرت تطورات المجتمع المصرى وظاهرة الحراك الاجتماعى، والأثر الفعلى للطلب على السلع والإعلام والثقافة وأثر هذا على مختلف نواحى الحياة فى مصر. فضحك قائلًا: حول ماذا سيدور حوارك؟

فقلت: حول الحراك الاجتماعى والاقتصادى للمصريين.

وافق الدكتور «جلال» وحدد لى موعدًا فى فيلته بالمعادى، وبالفعل ذهبت إليه ومعى زميلى مجدى شوقى المصور حسب الموعد المحدد، واستقبلنا فى مكتبه المرتب الأنيق.

وخلال مناقشة صغيرة قبل الحوار، زاد تأكدى بأن الدكتور جلال معتدًا بنفسه وبعلمه وفكره اعتدادًا شديدًا جدًا أقدره وأثمنه، وعندما أراد أهدانى أحد مؤلفاته قال سأعطيك كتاب «المكتوب على الجبين».

فقلت: لا بل أريد كتاب «رحيق العمر» حتى أعرف من هو الدكتور جلال أمين وافق وكتب لى الإهداء.

ثم طلب منى رؤية الأسئلة وأعطيت له ورقة بها محاور الحوار، اعترض على قليل منها وعدَّل بعضاً آخر وافقته على الاعتراض، وبدأ الحوار الذى لم يكن به التزام بسؤال أو تعديل أو اعتراض.. ثم اشترط أن يرى الحوار قبل أن ينشر فى الجريدة، فرفضت. فقال إنه عانى كثيرًا من أخطاء الصحفيين ولابد أن يرى الحوار حتى لا يجد فيه أخطاء! وسوف يسمح لى بستة أخطاء.

فقلت: ستة أخطاء كثيرة ولو اعتبرت كل خطأ بـ25% إذًا أنا صحفى فاشل..

فقال: لا ستة أخطاء غير مؤثرة.. فتحديت نفسى أمامه قائلًا: وماذا لو لم تجد خطأ واحدًا؟ فقال: حينها لك جائزة.. فسررت بهذا وبعد ما نُشر الحوار اتصلت به لأسأله هل وجد خطأ فى الحوار؟ فقال لا.. ولا خطأ واحد يا ممدوح.. فذهبت إليه لأحصل على (كتاب) الجائزة كما وعدنى.

فقال بمنتهى الحسم والقوة: لا لن أعطيك كتابًا آخر ولقد أعطيتك أنت وزميلك كتابين ولا أعرف كيف فعلت هذا؟ وضحكت وضحك وانصرفت دون أن أحصل منه على كتاب آخر.