رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما كنت صغيرًا كنت أقف منبهرًا أمام شاشة التلفاز بالمحللين السياسيين والخبراء، الذين يتحدثون بعمق عن القضايا والأحداث، ويقدمون أطروحات مستقبلية، ويستعرضون الحجج والمبررات التي تدعم رؤاهم.. وعندما كبرت قليلًا أدركت كم كنت مخدوعًا في كثير من هؤلاء الذين يتبعون أسلوبًا أقرب ما يكون لـ"الدهلكة والأونطة وبيع الوهم"؛ بل وفن صك المصطلحات، وتركيبات الجمل الوصفية الغريبة، لإضفاء نوع من التفرد والعلم المكذوب، والعمق المتهرئ .

الآن تيقنت بأن ممارسة السياسة ما هي إلا فن استعراضي من نوع فريد، يحتاج مواصفات قياسية لكي تبحر بسلاسة في بحر المواءمات، حيث لا مبدأ ثابت.. لا أخلاقيات.. كل شيء متغير وقابل للتشكل في أي صورة، فالاحتكام للمصلحة هو المعيار الأوحد لدى كثير من هؤلاء.

فمن مسوغات العمل كسياسي أن تمتلك أكبر قدر من الحيل التي تساعدك فى تثبيت الناس، وقلب الحقائق، واختلاق الأحداث، وفن الربط بينها في التوقيت المناسب لتقديمها في صورة أشبه بالحقائق الدامغة، مستغلًا جهل العامة بالمتابعة الدقيقة لمجريات الأحداث.

 مع الأسف، يجد هؤلاء منصات إعلامية لتقديم أفكارهم وسمومهم ورؤاهم كوجبات جاهزة سريعًا ما تتخمر في عقل المستمع والمشاهد، لتسهم في صناعة وعي مزيف ينخر في جسد الجبهة الداخلية والتماسك الوطني، ويضرب التوافق والتلاقي الفكري بين الشعب وقيادته، بل ويزرع بذور الشك في كل ما يقدم من معلومات رسمية، بغية اتساع الهوة بين القيادة والشعب، وهو سلاح أخطر ما يكون، خصوصًا في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها المنطقة ككل، بل العالم أجمع.

نعم لدينا أزمة وعي في مصر، على رغم كثرة المنصات الإعلامية والصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات الجديدة التي ظهرت على الساحة منذ 25 يناير وحتى الآن، مليارات الجنيهات التي تنفق، سنويًا، وعشرات الإعلاميين والخبراء في المجالات كافة، يتحدثون يوميًا بالساعات، إلا أن نتاج ذلك في مقياس وميزان الوعي المجتمعي لا يتناسب مع حجم الإنفاق.

طبقًا لاهتمامي بالبحث في التنظيمات السياسية ذات الصبغة الدينية وتعاطيها مع الواقع المصري منذ 30 يونيو، أعكف منذ أكثر من عام على المتابعة الدقيقة للقنوات ذات الصبغة الإخوانية عن قرب، وللمواد المقدمة عبرها، والموجهة بشكل مباشر صوب مصر، والنظام المصري، التي تحمل أجندات خبيثة، حجم المواد المقدمة عبر عشرات ما يُطلق عليهم إعلاميون أو خبراء، أو أعضاء وقادة التنظيم الإخواني، تحتاج جهدًا كبيرًا من جانب الدولة المصرية لتفنيد أكاذيبهم، وبناء حائط صد يحمى عقول جزء من الشعب استلبوا عقله وسيطروا عليه، لا اتفق مع رؤية كثيرين بأن الرد على هؤلاء يمنحهم قيمة ويسلط الضوء عليهم، فترك تلك المساحة من الفضاء الإعلامي تنخر في وعي المجتمع المصري أخطر ما يكون.

الدولة مطالبة بمشروع استراتيجي للاستثمار في صناعة الوعي، واسترداد العقول التي سيطرت عليها المنصات الإعلامية، التي تحمل العداء لمصر وترمي لزعزعة الثقة بين الشعب والسلطة، ودائمًا ما تستهدف التشكيك في كل شيء مستغلة قلة المعلومات المتاحة داخليًا أحيانًا، أو تأخر إعلان المعلومات واتباع الدولة نظرية رد الفعل وليس الفعل في كثير من الأحيان، مما يجعل تأثيرها ضئيلًا للغاية لدى العقول التي مُلئت مسبقًا بالمعلومات المغلوطة.

يجب أن ندرك خطورة أن نسلم رؤوسنا لهؤلاء المرتزقة، مهما كانت الهالة والقدسية التي تحيط بهم، التي يبدعون في تشكيلها ورسمها ببراعة فائقة، لكي يصبوا ما يشاءون في عقولنا من معلومات، أو أفكار ورؤى.. يجب أن نحكم عقولنا في كل شيء يصل مسامعنا، كل شيء تراه أعيننا، نبحث عن الحقيقة، نقرأ ونفكر نتدبر، فللحقيقة وجوه كثيرة.