آفة الصحافة
بدأ يوم السبت الماضى 10 فبراير العيد السنوى للكرنفال الهولندى ويستمر حتى اليوم الثلاثاء ، حوالى 100 ساعة متواصلة إحتفال لمئات الآلاف يختبئون وراء أقنعة وملابس عجيبة متنوعة ذات ألوان زاهية بارقة ، منها ما هو متهالك أو مُمزق ، البعض يرتدى ملابس رجالات الدين ، وآخر من الرجال يختبئ في ثوب امرأة حامل ، وليس من المُستغرب ان ترى بعضهم " رجال ونساء " فى زي بائعات الهوى بألوان مساحيق متنافرة غطت الوجوه .
ولا تستغرب حينما ترى "ملاك الموت" بمنجله ولباسه الأسود باحثا عن انسان يقبض روحه ، ويجد بالفعل من يشاركه تمثيل دور ازهاق الروح البشرية .
أيضاً كان المشهد يضم ارتداء البعض مختلف الملابس التقليدية من مناطق فى شبه الجزيرة العربية ، قديمها البدوية وحديثها من جلاليب بيضاء والعقال العربى بمختلف ألوانه الحمراء والسوداء . الكل يتنافس فى اظهار " ورُبما فعل " ما يخرج عن المألوف فى المُجتمع من عادات وتقاليد ، " ذلك المجتمع المفتوح أصلاً " والبعض قد يكسر المُحرمات ( الـ Tabou ) أو المسكوت عنه .
الا انه توجد بالفعل بعض المُحرمات والخطوط الحمراء التى لا يستطيع أحد تخطيها ، فلا تجد مثلاً أحد يرتدى ملابس يهودية تقليدية ، أو يتشبه بزعيم النازية الألمانى " أدولف هتلر " أو حتى يشير الى شنبه المُميز بشكل أو آخر . عدا ذلك لا يوجه أحد إنتقادات للآخر . . لا يلوم آخر أى شخص . . لا يُعاتب هذا أو ذاك أى انسان على ما يفعله علانية . . الكل يرقص ويغنى فى الشوارع على الرغم من برودة الجو التى يكاد ألا يشعُر بها رواد الكرنفال بسبب شرب الكحوليات ، أقلها البيرة وأكثرها الخمور الثقيلة ، التى تزيد من الانطلاق والتحرر من القيود .
ففي هذه الاحتفالية السنوية تزول الفوارق الطبقية والدرجات الاجتماعية ، حيث تجد عامل النظافة مثلاً الى جانب وزير أو محافظ المدينة . يصف بعض أهل هولندا الكرنفال بانه ترجمة الاحتياج للتعبير عن شخصيات أخرى وتحرر من رتاب الحياة اليومية النمطية .
ومن التقاليد ان تختار كل مدينة فى هولندا أميراً لها ، يكون له بالفعل الكلمة الفصل والحُكم أثناء أيام اقامة الكرنفال ، ولابد ان تتوافر فى الأمير عدة شروط أهمها خفة الظل وقدرته على احتساء قدر من الخمور دون ان يصل الى حد الثمالة ، ومن الممكن ان يكون الأمير ذو شأن على فى المجتمع ، وربما يكون مواطناً عادية يعمل فى مهنة متواضعة ، والكل يُطيعه ويحتكم اليه حال حدوث أى مشاكل أثناء الاحتفالات . ولا يحتفل كل الشعب الهولندى بالكرنفال ، أصحاب المذهب الكاثوليكى فقط منهم ، أما شرائح المسيحيين من مذهب البروتستانت فيعتبرونه بدعة وعبث ويرفضونها تماما .
أما الكاثوليك خاصة فى مناطق (جنوب هولندا) فهم من يتمسك بهذا التقليد الذي لا يعرف أحد جذوره بالتأكيد ، البعض يعتقد انها ربما تكون بقايا ممارسات دينية سابقة انقرضت في مضمونها ، وبقيت في أشكالها الظاهرية ،حيث عادة تبدأ الاحتفالات عشية الشروع في فترة الصيام الطويلة التي تنتهي بعد أربعين يوما مع عيد الفصح ، وكأنهم أرادوا الاستمتاع بأنفسهم قبل الصيام عن كل الشهوات ، لكن الواقع يؤكد ان الكرنفال ينتهى ولا يصوم الا قلة نادرة .