عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

دون سابق معرفة بيننا، كنت دائما ما أشعر أن بينى وبين «أنيسة حسونة» وشائج  قوية من المحبة والاحترام، ربما  يكون مصدرها الأسلوب المميز  الذى تدير به مساهمتها فى الشأن العام سواء عبر الكتابة، أو من خلال مشاركتها  فى البرامج الفضائية أو دورها النيابى داخل مجلس النواب. وإذا لم تكن تخوننى الذاكرة فقد التقيت بها مرتين قبل سنوات فى برامج حوارية مشتركة، ولفت نظرى ابتسامتها الدائمة التى لا تفارق وجهها الطفولى، حتى وهى تعترض على ما تسمع، أو تختلف مع من يقوله. وفور انتهائى من قراءة كتابها الصادر مؤخرا عن دار «الشروق» تحت عنوان: «بدون سابق إنذار» الذى تروى فيه تجربتها مع مرض السرطان اللعين حين اكتشفت اصابتها به بالصدفة، على الرغم من الفحوص الدورية  التى تجريها سنويا، تأكد لى أننى أمام  امرأة استثنائية بكل المقاييس تمتلك من الشجاعة والقوة الداخلية والشعور العالى بالمسئولية تجاه مجتمعيها الصغير والكبير، ما يشكل ملحمة انسانية تدعو للإعجاب والإكبار والاحترام، فضلا عن التعلم من ثرائها الروحى والنفسى الحافل، وهى تسرد بتمكن وشفافية وصدق وجمال آسر تجربتها فى مقاومة المرض وتحدى مصاعبه والتغلب المستمر على آلامه المبرحة التى تخلف أثرها على  البدن والروح فى آنٍ واحد.

منحت الحياة «أنيسة حسونة» أسرة جميلة متحابة كانت هى ككل أم وزوجة مصرية عمود الخيمة بها، لكن الحياة لم تشأ أن تمد كرمها إلى نهايته، فحرمتها فجأة ودون مبررات واضحة من موقعها الوظيفى المميز كمديرة تنفيذية لمؤسسة مجدى يعقوب الخيرية لعلاج مرضى القلب، وهو الصرح الطبى الكبير الذى كان بمثابة مشروع حياتها، وساهمت جهودها  ضمن فريق العمل به فى إنجاحه.

 مع ذلك  لم تجعل المرارة من عدم الانصاف وغيبة العدل حائلا بينها وبين تعميم الفائدة  من تجربتها، فراحت تسأل الأطباء فى مصر والخارج هل للضغوط النفسية دور فى الاصابة بمرض السرطان ؟ وفتحت الاجابة امكانية حدوث ذلك مع التحفظ على أن الحقائق العلمية لم تؤكده، بالرغم من تأكيدهم أن الدعم العاطفى والنفسى من الأهل عامل ضرورى لمقاومة المرض ونجاح العلاج  والشفاء منه.

فى كل لقطة تروى فيها الكاتبة رحلة علاجها كانت عينها شاخصة دائما على الفائدة التى يمكن تعميمها للآخرين. فكفاءة الأطباء المصريين تتساوى مع نظرائهم الغربيين، لكن الخلل يظل كبيرا فى قطاع التمريض فى أكبر المستشفيات الاستثمارية المصرية الذى يفتقد للانضباط  والدقة وفى بعض الأحيان للضمير المهنى الذى يتجلى  فى انتظار تقاضيه أجرا من المريض نظير قيامه بمهام وظيفته. ووضع ملعقة من العسل الأبيض على الجروح يساعد فى سرعة التئامها، كما أن لتناول «القراصيا» مفعولا مؤكدا كعلاج للإمساك. تدعو أنيسة لزيارات من مدارس الأطفال إلى مستشفيات المرضى فى أيام أعياد للتخفيف عنهم، كما تطالب بتوفير مستشفيات للعلاج المجانى لهذا المرض، نظرا  لتكاليف علاجه الباهظة.

من النصائح الهامة التى يسديها الكتاب الحث على  ألا يفقد المريض أبدا قدرته على التفاؤل من امكانيات النجاح فى التصدى للمرض وألا يترك نفسه لحالات  اليأس المعطلة للحياة، وتأكيده أن مشاعر الحب هى أهم دوافع تلك  الحياة، إذ بغيبتها يفتقد الإنسان ما يدعو إلى التشبث بها. وفى هذا السياق تطالب أنيسة حسونة برهافة فى الحس وجمال فى الروح البشر بألا يؤجلوا حب اليوم إلى الغد وبأن يحرصوا  على إخبار من يعنيهم أمرهم كم يحبونهم قبل أن يدهمهم الوقت وتسرقهم انشغالات الحياة.

بعد أن طويت الصفحة الأخيرة من الكتاب، شعرت أننى لم أعد نفسى قبل قراءته، فهو يحملنى بمسئولية الدعوة فى كل مناسبة لتضافر الجهود لمكافحة هذا المرض الذى تصاب به مائة الف مصرية كل عام، ويحفزنى على ملاحقة مؤلفته لإنجاز وعدها بإعادة طبع مذكرات والدها وزير العدل الأسبق «عصام الدين حسونة» وضم فصول جديدة إليها من محاضر مجلس الوزراء التى بحوزتها، وبذلك قد أفى ببعض ما أوصت به بأن أقل لمن أحبهم كم احبكم.