رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تأملات

منذ نحو 15 سنة صدمت عندما علمت من سياق كتاب كنت أترجمه للمفكر الأمريكي جون اسبوزيتو بعنوان الإرهاب باسم الإسلام أن الديمقراطية أتى عليها حين من الدهر غير بعيد كانت خلاله مفهوما سيئ السمعة. مصدر دهشتي أن ذلك جاء في زمان يرتقي فيه التوافق على المفهوم إلى مرتبة تقترب من الإجماع، إلى الحد الذي تستطيع فيه أن تكفر بالله، دون ملامة من أحد ولا تكفر بالديمقراطية.

وقد وصلت سطوة المفهوم في عالمنا الإسلامي لدرجة قدمت معها اجتهادات عدة لتقبل الديمقراطية رغم الإقرار بطابعها الغربي وغرابتها عن سياقنا السياسي والفكري وغير ذلك، وكان الأمر من أصعب ما يكون على ما يطلق عليه التيار الإسلامي الذي كانت السبة التي تلصق به هي أنه يرفض الديمقراطية. وفي ذلك كان من العبارات المفضلة لدى المستشرق الأمريكي برنارد لويس أن الديمقراطية لدى الإسلاميين ذات طريق واحد، تنتهي بوصولهم إلى السلطة.

غير أنه مع التعمق في دراسة المفهوم تبين لي أن المفهوم بالفعل مفهوم جدالي وهو ما أشار إليه المفكر الأمريكي الراحل صموئيل هنتنجتون في سياق كتابه الموجة الثالثة عن التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين حيث انتهى إلى أن تعريفًا إجرائيًا للديمقراطية استبعد الولايات المتحدة من كونها نظاما ديمقراطيا انطلاقا من حرمانها نحو 10% من زنوج الجنوب من المشاركة في الانتخابات. ومما يعزز ذلك مثلا تصريح لدان كويل نائب سابق للرئيس الأمريكي أشار خلاله إلى صعوبة القول بأنه يوجد نوع واحد من الديمقراطية.

ولعدم تكرار ما قلته سابقا أحيل لمقال لي سابق نشر بـ «الوفد» بعنوان «في تهافت مفهوم الديمقراطية» يعزز ما أشير إليه. غير أنني أضيف هنا أن كل ذلك في إطار النقاشات العلمية والفكرية قد يكون مقبولا غير أن التحفظ يرد هنا على مساعي توظيف هذا المبدأ – الخلاف حول مفهوم الديمقراطية -  لخدمة موقف سياسي معين، وهو الأمر الذي يثيره ويستدعيه المشهد الراهن في الساحة المصرية والدعوات التي راحت تتساءل عن جدوى الديمقراطية وعدم لزوميته.

وهي دعوات قد تبدو غريبة حتى لو نظرنا إليها من منظور ناقدي الديمقراطية حيث يشير أحدهم – روبرت دال - مثلا في كتابه «الديمقراطية ونقادها» إلى  أن «فكرة الديمقراطية تحظى في يومنا هذا بشعبية عالمية حتى إن معظم الأنظمة الحاكمة تحاول أن تدعي بأن لها إسهامًا معينًا في مضمار ممارسة الديمقراطية، حتى المستبدون من الحكام يؤمنون على ما يبدو بأن إضفاء مسحة من لغة الديمقراطية إنما يشكل عنصرًا أساسيًا من العناصر المكونة لشرعيتهم».

ولذلك من المستغرب استنكار البعض للتأكيد على ضرورة فكرة الانتخابات وحتمية إجرائها معتبرا أن من ينادون بذلك من شيوخ الديمقراطية. ورغم حقيقة أن الانتخابات في معظم دولنا، كما يشير هؤلاء،  هي أقرب إلى طقوس الدراويش،  إلا أن ذلك لا يعني وقفها وإنما العمل على تطوير المناخ السياسي بما يسمح بتجاوز تلك الحالة.

لم يقتصر الأمر في التنديد بالديمقراطية على ذلك وإنما راح آخرون يدعون إلى نزع دسمها وأهم ما فيها من سمات تمثل جوهرها بالإشارة إلى أنه لا يجب إفساد العرس الانتخابي بالبحث عن مرشح منافس في الانتخابات لنقول للغرب، حسب قول أحد هؤلاء ، عندنا ديمقراطية مثلكم، وإنما الأهم من منظور هذا الفريق هو « تقديم «موديل» لانتخابات تتجسد فيها أقصى درجات النزاهة والشفافية والدعاية النظيفة التي تحترم جميع المرشحين ولا تنال من قدرهم، فالديمقراطية المثالية لا وجود لها على أرض الواقع في أي مكان، ولا في الغرب نفسه ».

رغم أن المنافسة تعتبر المقوم الرئيسي إن لم يكن العماد الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية. وإذا كان من الصحيح أنه لا يوجد شكل وحيد للأخذ بالديمقراطية في التطبيق السياسي، إلا أنها مما استقر عليه العرف في عالمنا المعاصر ولها أسس وروح وأجواء ومناخات يمكن معها القول بوجودها من عدمه، وذلك هو المحك في تقييم أي نظام سياسي!

 

[email protected]