رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوالنا

 

 

فى الأسبوع الماضى عرضنا لأحوالنا كمصريين فى ظل ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢، والأمجاد التى تحققت من تأميم قناة السويس إلى بناء السد العالى وتجربة الوحدة الكاملة بين مصر وسوريا والعمل على نقل مصر من مجتمع زراعى إلى مجتمع صناعى عن طريق إقامة قاعدة صناعية ضخمة تضم مئات المصانع المتنوعة، حيث كان الشعار الذى يتردد آنذاك (التصنيع من الإبرة إلى الصاروخ). كانت الأحلام تطاول السماء وكانت خطب الزعيم جمال عبدالناصر تبث فى ابناء الشعب روح الكبرياء والعزة والكرامة، ولَم يكن هناك من شيء يُحد من مشاعر الزهو والثقة بالنفس التى تولدت لدى جميع المصريين والتى غذتها الوسائل الإعلامية وعلى رأسها الراديو الذى كان يتصدر المشهد الإعلامى حتى فترة السبعينيات. ولَم تؤثر بعض المشاكل الكبيرة التى تعرضت لها مسيرة الثورة فى الحد من تلك المشاعر. فقد تجاوزت عقبات مثل انفصال سوريا عن دولة الوحدة والاشتراك فى حرب اليمن لنصرة الثورة اليمنية ضد الحكم الملكى لأسرة حميد الدين، مع ما قدمه ابناء مصر من شهداء سقطوا فى جبال ووديان اليمن. إلى ان وقعت الواقعة الكبرى وصحونا جميعا على هزيمة ٦٧ التى سميناها نكسة.

جاءت النكسة لتزلزل ارجاء المكان على غير توقع. فقد كانت احلام الانتصار فى الحرب تداعب خيالنا حتى فى الوقت الذى كان فيه الزعيم يلقى خطابه الذى أعلن فيه الهزيمة والتخلى عن أى منصب رسمى والعودة إلى صفوف الجماهير. وكانت تلك الكلمات مثل صاعق كهربائى اصاب الجماهير فخرجت لتوها إلى الشوارع ترفض الهزيمة وتتمسك بالقائد. وكنت واحدا من الذين أحسوا بصعق الكهرباء وخرجوا إلى الشوارع عقب الاستماع إلى الخطاب. كنّا مجموعة من الاصدقاء نتابع الخطاب فى منزل صديق لنا يسكن فى منطقة الأهرام، وما إن انتهى الخطاب حتى وجدنا أنفسنا فى الشارع غير عابئين بصفارات الانذار التى كانت تعلن عن غارات جوية تستهدف القاهرة. كانت الجماهير تتوالد فى الشارع بأعداد كبيرة حتى انتهى بِنَا الامر ونحن نسير فى مظاهرة حاشدة تطالب ببقاء الزعيم ورفض الهزيمة. كانت هذه المشاعر تلقائية ومعبرة بصدق عما تريده الجماهير.

على امتداد ايّام المعركة كانت الإذاعة تبث البيانات العسكرية والأغانى الوطنية الحماسية والمواد السياسية ذات النبرة الزاعقة والتى كان يلقيها مجموعة محددة من الإذاعيين اصحاب الحناجر القوية. وفِى أعقاب الكشف عن النكسة عادت تدريجيا البرامج الإذاعية المعتادة بدءا بالأغانى الوصفية والرصينة التى تتناسب مع المزاج العام الذى كان عاكفا على محاولة فهم ما جرى ولماذا جرت الأمور على النحو الذى أدى فى النهاية إلى هذه النكسة. واتجه كثير من سهام النقد نحو الإعلام وخاصة الإذاعة التى اتهمت بإذاعة بيانات زائفة اثناء المعارك، خاصة اعداد الطائرات التى قيل اننا أسقطناها للعدو. وكان لهذه النكسة تأثير مباشر على كل من عايشها، ولاشك ان اكبر تأثير وقع على جمال عبدالناصر شخصيا وهو ما أدى إلى وفاته فى عام ١٩٧٠ عن عمر ناهز الثانية والخمسين.

تلقيت نبأ وفاة عبدالناصر فى اليابان حيث كنت اعمل مذيعا فى القسم العربى بالإذاعة اليابانية، وقد أدى ذلك الخبر إلى إصابتى باحتباس صوتى ابعدنى عن الميكرفون أسبوعين. وكان كل من يتلقى النبأ من اليابانيين يدهش من حقيقة ان جمال عبدالناصر كان فى الثانية والخمسين من عمره فقط، وانه حقق هذه المكانة على المستوى الدولى فى فترة وجيزة وأن الموت اختطفه وهو فى عز الشباب.