رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوالنا

 

عندما اندلعت شرارة ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام ١٩٥٢ كنت صبيا فى العاشرة من عمرى، وقد تفاعلت مع أحداث الثورة بمتابعة أخبارها من خلال جهاز الراديو الذى كنّا اشتريناه قبل وقوع الثورة ببضعة أسابيع. وقد علقت فى ذهنى بضعة أبيات من زجل كتبتها فى الشهور الأولى للثورة تقول: يعيش نجيب وأخوانه الأحرار / ما دام العدل سايدنا مفيش ظلم ولا استعمار. وبطبيعة الحال لم يكن استخدامى لكلمات مثل العدل أو الظلم والاستعمار نابعا عن فهم لمدلول تلك الكلمات، ولكنه نبع من تكرار هذه الكلمات عبر أثير الراديو الذى كان يربطنى به أساسا برنامج باباشارو للأطفال.

أما ارتباطى الواعى بالأحداث فكان فى عام ١٩٥٦ إبان العدوان الثلاثى الذى شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر بعد إعلان عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، وقد حاولت آنذاك التطوع فى كتائب الشباب، ولكن محاولتى فشلت لصغر سنى. وتابعت الأحداث من خلال صديقى الراديو والتى بلغت ذروتها فى خطاب عبدالناصر فى الأزهر الشريف حين أعلن من على منبره أننا سنقاتل سنقاتل، وإنه إذا كان قد فرض علينا القتال فإنه لن يوجد من يفرض علينا الاستسلام. أحببت الرجل يومها وأحسست الصدق فى نبرات صوته التى تهدجت وهو يكرر كلماته التى يتعهد فيها بقبول التحدى ومواصلة القتال حتى النهاية. عشنا وترعرعنا فى كنف الثورة سنوات العمر وعايشنا أيّام مجد وفخار طاولنا بها عنان السماء، من تأميم القناة، إلى قيام الوحدة بين مصر وسوريا، إلى ملحمة بناء السد العالى. وتخلل هذه الأحداث الكبار تحقيق مشروع ناصر الأهم والذى يتمثل فى تحقيق العدل الاجتماعى والمساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات. ومن خلال الراديو عايشنا كل هذه الأمجاد فيما يشبه الحلم الذى كان يزدان بأغنيات وأعمال فنية على أعلى مستوى، أبدعتها قمم فنية متفردة مثل أم كلثوم وحليم وشادية وفايزة وغيرهم من القامات السامقة فى دنيا الغناء، وقد انضمت إليهم أسماء خالدة فى دنيا التلحين مثل عبدالوهاب والسنباطى وفريد والطويل وبليغ والموجى وغيرهم من أعلام الموسيقى.

وقد كبر صبى الأمس الذى ارتبط بالراديو مستمعا وأصبح مذيعا فى البرنامج العام، وبات مشاركا فيما يقدم إلى المستمعين من أخبار وبرامج. كنّا نحلق فى سماء المجد التى ازدانت بقمم ثقافية وفنية فى كل المجالات من مسرح إلى سينما ورقص شعبى إلى رقص باليه وفنون تشكيلية. ومنذ قيام الثورة كان الراديو وسيلة التواصل الرئيسيّة بين القيادة والجماهير فى مصر. وقد ساعد صوت عبدالناصر المحدد والواضح النبرات فى جذب الجماهير وتحقيق شعبيته الواسعة، ليس فقط داخل مصر، ولكن على امتداد العالم العربى وخارجه. ومن هنا كان اهتمام الثورة بالإذاعة والتوسع فى خدماتها بإنشاء صوت العرب التى لعبت أهم الأدوار فى نشر رسالة مصر فى مكافحة الاستعمار وتحقيق الاستقلال فى المنطقة العربية.

كما جرى إنشاء الإذاعات الموجهة التى قامت بأدوار مهمة فى التواصل مع حركات التحرير فى إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية. وفِى عام ١٩٦٠ تم إنشاء التلفزيون الذى أصبح أداة تواصل جديدة إلى جانب الراديو. ولكن الراديو ظل لفترة طويلة يحظى بالأهمية نظرا لسهولة ورشاقة حركته، مقابل صعوبة حركة التلفزيون قبل ابتكار كاميرات النقل الإخبارى.

واستمرت حالة الانتشاء الجماهيرى التى يقود خطواتها إعلام موجه ومحنك، حتى وقعت الواقعة وصحونا صباح يوم أشعث أغبر على هزيمة مدوية أسميناها نكسة، وللحديث بقية عن ناصر ودور الإعلام فيما جرى.