ضربة قلم
يحاول اليهود دعم مزاعمهم ومطامعهم في البحر الأحمر على الدوام بالأساطير الدينية وخرافات العهد القديم. ويرجعون علاقتهم التاريخية بالبحر الأحمر إلى ذلك الجزء من الساحل الممتد من جنوب خليج العقبة (حوالي 250 ميلا في مواجهة المملكة السعودية) وتسمي هذه المنطقة بـ (مدين) وهي موطن النبي العربي شعيب الذي لجأ اليه سيدنا موسى عليه السلام بعد أن قتل مصريا انتصارًا لواحد من قومه. يزعم اليهود أن مدين تشمل مدينتي تيما وخيبر اللتين عاش فيهما بعض اليهود العرب وبعض اليهود الذين شتتهم الرومان.. لم ينقطع الاهتمام الصهيوني بالبحر الأحمر يوما ما ؛ففي أواخر القرن التاسع عشر قام يهودى ألماني (بول فريدمان) بزيارة منطقة البحر الاحمر وبعد ذلك أقنع المسئولين البريطانيين في القاهرة بخطته لتوطين اليهود الروس والرومانيين والهنجاريين في أرض مدين على البحر الأحمر وإنشاء مستوطنة مستقلة. وفي عام 1891 غادر ساوثامبتون متجهًا إلى البحر الأحمر برفقة خمسين جنديًا وأعلن نفسه ملكًا يهوديًا على مدين .مما أثار مخاوف العثمانيين ومن ثم رفضهم خشية أن تنطوى هذه المغامرة على خطة بريطانية لاحتلال يمكن أن يعيق قوافل الحج إلى مكة في المستقبل. وفي عام 1902 حاول هرتزل إقناع جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات البريطانية بالسماح لعشرة ملايين يهودي باستيطان سيناء المطلة على الجزء الشمالي من البحر الأحمر وتحويل مياه النيل إليها . وفشل اقتراحه بعد رفض مصر. وعندما أوصت لجنة بيل عام 1937 بتقسيم فلسطين حث بن جوريون اليهود على استيطان منطقة النقب للاحتفاظ بها عند أي تقسيم في المستقبل . ومارسوا ضغوطًا على الرئيس الامريكي ترومان من اجل ذلك وتم اغتيال مبعوث الامم المتحدة " برنادوت" على يد عصابة شتيرن لأنه حاول استبعاد النقب من الدولة الصهيونية في فلسطين. وكان أحد أعضاء تلك العصابة مناحم بيجين الذى وقع اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس الراحل أنور السادات وكان ـ حينذاك ـ رئيسًا لحكومة إسرائيل. ويرجع إصرار إسرائيل على منطقة النقب الى أن إيلات هو ميناء إسرائيل الوحيد على البحر الاحمر والذي وصفه بن جوريون بأنه ( حياة أو موت إسرائيل) وقال إن أمن إسرائيل يتلخص في جملة واحدة " كل شيء لابد أن يتجه صوب الجنوب" للتجارة مع آسيا وافريقيا. وفي عام 1970 بدأت قضية البحر الأحمر تدخل في دائرة اهتمام جامعة الدول العربية حيث عقدت اجتماعات بناء على طلب الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية فبل اتحادهما تعربان فيه عن قلقهما من النشاطات الاسرائيلية وخاصة في جزر حالب ودهلك. وطلبت الجامعة العربية اعداد تقارير استخباراتية وفي سبتمبر عام 1970 شكلت الجامعة العربية لجنة تقصي الحقائق حول استئجار اسرائيل من اثيوبيا جزر ابو الطير وحالب ودهلك ( جزيرة ابو الطير كانت تتبع اليمن الجنوبي وقد اعطتها بريطانيا الي اثيوبيا قبل انسحابها من عدن عام 1967 وفي يولية عام 1971 اكدت الجامعة العربية في مذكرة بعثت بها إلى وزارة الخارجية المصرية وجود اسرائيل في الجزر الإريترية وحذرت من خطط اسرائيلية لتأسيس وجود لها بوصفها قوة بحر ـ أحمرية في المنطقة المتاخمة للمنطقة العربية. كما حذرت من سعي اسرائيل لحرمان العرب من سيطرتهم الاستراتيجية والسياسية على البحر الاحمر. ومع نهاية العام بدأ العرب الاهتمام بعروبة البحر الاحمر ووضع خطة لتكوين قوات أمن عربية لمواجهة الخطر الصهيوني تتبع الأمانة العسكريه بالجامعة مباشرة ولكن هذه الخطة لم تر النور .وقد برزت اهمية مضيق باب المندب اثناء حرب اكتوبر حين اغلقته البحرية المصرية في وجه السفن الاسرائيلية. وفي عام 1977 اتخذت الجامعة العربية قرارا يدعو الى موقف عربي موحد لمواجهة التعاون الاسرائيلي ـ الاثيوبي ولدعم الثورة الاريترية في حصولها على الاستقلال .وقد شهدت السنوات الاخيرة اهتماما دوليا وسباقا محموما غير مسبوق لفرض النفوذ على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومن ثم السيطرة على الملاحة والتحكم في قناة السويس من خلال استئجار قواعد في جيبوتي واريتريا والسودان من جانب أمريكا واسرائيل وفرنسا واليابان والصين والسعودية وقطر وتركيا. وقد أدركت مصر خطورة الاوضاع والمؤامرات في البحر الاحمر التى تهدد النفوذ المصرى والامن القومي حيث تم الاعلان عن انشاء قيادة الاسطول الجنوبي واقامت قواعد عسكرية لحماية مصالحها سواء في البحر الاحمر أو مياه النيل .
.. لقد تنبه الرئيس السيسي للمخاطر التي تحيق بمصر في البحر الاحمر وتأمين الملاحة بقناة السويس. ورغم أن معاهدة كامب ديفيد قد أعادت لاسرائيل حرية الملاحة في منطقة خليج العقبة وقناة السويس إلا أن البحر الأحمر يظل قضية وعرة وعورة أعماقه كما أنها لا تشكل ضمانًا لحريتها في الملاحة بباب المندب.