رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مجرد كلام

 

 

 

فاجأنى اليوتيوب أمس الأول، بفيديو لشاب سودانى ملثم يحمل فى يده اليمنى مدفع رشاش، وهو يتوعد بشن الحرب على مصر مع عشرات الآلاف من الشباب السودانيين، بمجرد أن يعطيهم الرئيس عمر البشير الإشارة بذلك، زاعماً أنهم فى غضون ثلاثة أيام سيحتلون القاهرة ويرفعون علم السودان فوقها، دون أن ينسى أن يكيل الشتائم البذيئة للشعب المصرى من أيام حكم كليوباترا وحتى الآن!

صحيح أن تهديد هذا الشاب «كلام ساكت» كما يقول أشقاؤنا فى السودان، أو كما نقول نحن فى مصر «كلام فاضى»، وأنه شخصياً يدرك تماماً أن «البشير» لن يعطيه هذه الإشارة ولا حتى فى أحلامه، لكن كلامه يعبر- وإن كان بفجاجة مفرطة- عن تيار داخل السودان أصبح يرى فى مصر عدواً لبلاده، أو على الأقل لا تريد لها الخير، وهو تيار تغذيه دوائر سودانية ارتبطت بعداوات تعود فى إحدى أهم محطاتها  إلى انقلاب 30 يونية 1989 الذى قاده د. حسن الترابى ونفذه عمر البشير على حكومة الصادق المهدى آنذاك، وهى العداوات التى وصلت لأقصى مدى لها بتورط قيادات سودانية رفيعة المستوى فى محاول الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى أديس أبابا عام 1995.

أحد أهم أسلحة هذه الدوائر السودانية فى تأجيج العداء لمصر هو خروج بعض صحفيينا أو إعلاميينا ومخرجى أفلامنا عن حدود اللياقة فى تناولهم لأوضاع وأحوال السودان والسودانيين، مع غياب أى مناقشات مصرية جادة حول تنمية العلاقات الشعبية مع أشقائنا فى جنوب الوادى، فى نفس الوقت الذى أهملت فيه السياسة المصرية الشأن السودانى سنوات طويلة، حيث كانت تتعامل معه طوال حكم «مبارك» كملف أمنى  وليس ملفاً سياسياً مهماً، وهو ما اشتكى منه الكثير من القوى السودانية الكبيرة دون جدوى.

لكن فى المقابل، هناك أغلبية سودانية ترفض تأجيج الصراع مع مصر، بل وهناك قناعات راسخة لديها بأن خلافات البلدين يمكن حلها بسهولة بالحوار الجاد حول كل القضايا وعلى رأسها ملف المياه و«سد النهضة»، فى نفس الوقت الذى تواجه فيه سياسات البشير بمعارضة واسعة، يمنع تصاعدها هيمنة حزب المؤتمر الوطنى الذى أسسه على كل مفاصل الدولة فى السودان.

العلاقات المصرية– السودانية لن تخرج من دائرة الخلافات المتواصلة إلا من خلال البحث عن حلول خارج الصندوق، بتقوية علاقات الشعبين وإبعادها عن أى توترات بين حكومتى البلدين، وهو ما يمكن أن يحدث بتفعيل مصر لاتفاقية الحقوق الأربعة فى التنقل والاقامة والتملك والعمل، لبناء شبكة مصالح ضخمة بينهما، سيكون لها بالتأكيد انعكاسات سياسية مهمة قد تمنع مثل هذا الشاب السودانى وغيره من التهديد باحتلال القاهرة، بل ربما تجعله مستقبلاً يدافع عنها إذا تعرضت لأى تهديد خارجى.