رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شوفها صح

بإشارة من إصبعه فهمت أنه سيروى حادثاً وقع بالأمس القريب.. لكنه كان حلماً.. حاول أن يحكى تفاصيله بلغة الإشارة، استجمعت كل خبراتى حتى أفهم ما يود قوله.. كان رقيقاً للغاية وهادئاً «على غير عادته».. فقد عهدته غاضباً متذمراً.. شاكياً ليل نهار.. لكنه فى هذه المرة كان شخصاً آخر.. لم يحدثنى عن مؤتمر سيعرض فيه مشكلات الصم والبكم.. أو ورشة عمل لتعليم لغة الإشارة.. ولا حتى قاموس الإشارة الموحد الذى وعد به المؤتمر الأخير للاتصالات.

طلب منى ورقة وقلماً.. لأنه أراد أن أفهم جيداً كلماته ولا نضيع الوقت فى فهم ما يصعب علىّ فهمه من إشارات يده.

أخذ الورقة وأمسك بالقلم ورسم صورة لسيدة.. قال إنها جدته.. ورسم قلباً وزرعاً.. فى حقل.. وبقرة.. وطفل صغير لم يكن يجيد الرسم.. لكننى كنت أجيد فهم لغة عينيه أكثر من إشارات أصابعه.. كأنه يريد أن يقول إنه رأى جدته فى أحلامه.. أمس.

كان فرحاً جداً.. وبلغة الإشارة قال «كانت وحشانى.. جدتى هى صاحبة الفضل الأكبر علىّ.. كانت بسيطة غير متعلمة لكنها تولت رعايته بعد أن تزوجت أمه وأبيه.. كانت شابة وليست عجوزاً ككل الجدات تصطحبه إلى غيط القمح فى الصباح الباكر يتذكر البقرة الوحيدة التى كانت تمتلكها الجدة وهو يلهو حولها بينما كانت تقوم بحلب لبنها.. وتسقيه منه فور الانتهاء من ذلك، ضم أصابعه إلى شفتيه يقبلها يعنى كان طعمه زى السكر.. كانت تخبز عيش الذرة وتضع له فطيرة يأكلها ساخنة وهو جالس بجوارها فوق كومة الحطب «الوقيد».

كانت تسمعنى وتفهمنى وتسافر بى من بلدتنا إلى المركز حيث مدرسة الأمل للصم والبكم.. ظلت مصرة على تعليمى حتى أشقاها المرض والفقر.. وذات يوم جاءت «عمتى» وأخبرتنى جدتى بأن علىّ أن أعيش معها لأنها ستذهب للإقامة فى المستشفى العام لتخضع لعمليات غسيل كلوى بالإضافة إلى متابعة السكر الذى أصبح يداهمها بقوة فيأخذها فى غيبوبة ويسرع جيراننا بنقلها إلى المستشفى لإسعافها.

لا أعرف هل كنت أحب السكر أم أكرهه؟ لقد كانت تكافئنى بعد عودتنا من الغيط ومساعدتها فى عمل الزبدة بوضع شوية سكر فى فمى.. فأضحك.. كان أحلى طعم تذوقته فى حياتى.

رغم مرور السنوات على وفاة جدتى «صبرة» مازال طعم السكر فى فمى.. حتى إنها فى الحلم وجدتها تحمل السكر فى ملء كفيها وأنا أغرس وجهى فيه.. بينما كانت تبتسم ابتسامتها الصافية التى منحتنى الرغبة فى الحياة.. حتى ولو خلت من طعم «السكر».