رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الفرقُ بين مثقف ومثقف، يكمن فى القدرة على التغيير، فقد يكون أحدهما مثقفًا لكنه لا يتجاوز التقليد ثقافيًّا، هو مثقف نعم، لكنه ليس بأصيل فى ثقافته، ليس مثقفًا على الأصالة، ربما يحيط علمًا بمجموعة من المعارف، أو يكون مقتصرًا على تخصصه وكفى، دون أن يمتلك الاستطاعة الكافية لتفريع هذا التخصص إلى جزئياته الدقيقة يتكوّن منها، ثم الارتقاء بها صعدًا فى نسق يجمعها تحت وحدة واحدة, أعنى المبادئ العامة التى تشكلها..

المعلومة، بدون رؤية وتوجُّه لا تعنى شيئًا فى الثقافة، والمعرفة المُجرّدة عن العمل خيرٌ منها عدمها؛ لأنها لا تغيّر، وما دامت لا تغيّر، فلا فائدة منها.

هذا النوع من المثقفين هو الذى يمثّل ثقافة الهمم الناعسة؛ إسهاماته النظريّة والعمليّة مقطوعة الصلة بعصره، لا يستشعر نبض العصر ولا حاجته الماسّة لكى يقول فيه كلمة يسمعها منه من يعيشون فيه. وبما إن ثقافة التقليد هى التى كانت ملكت عليه أقطاره، فليس ينطلق إذا هو أنطلق إلا منها، حتى إذا ما قال برأي، أو نادى بتوجُّه، لم يزد أمته؛ فيما لو أصاخت إليه، إلا نعاسًا فوق نعاسها، وظلامًا فوق ظلمتها.

أما النوع الآخر من المثقفين، فهو ذلك المثقف الذى لا يعرف للتقليد مكانًا، ولا للجمود أو الركود طريقًا، بل رؤيته صادرة على الأصالة منه وحده دون سواه، يحمل من مشاعل الحماسة الروحيّة ما من شأنه أن يحطم به أغلال العبوديّة، فيُنهض أمته ويوقظها من ثباتها الراكد، يُنهضها غير أسيانة من فورها إلى العمل المنظم، ويكون هو أول من يتقدّم الصفوف ليبعث فيها مجددًا روح المقاومة.

أعطيك مثالين فقط لرجلين يمثلان هذه النوعيّة من المثقفين فى أمتين مختلفتين. الأول؛ هو المهاتما غاندى الرجل الحكيم الذى جسّد فى شخصه أمّة بأكملها، فكان للهند نورًا ينير سدف الظلام, وضياءً تسيرُ فيه الأمة سيرها المُحقق نحو التّحرير.

والثانى : فيلسوف ألمانيا العظيم «فتشه» فيما قدّمه من «نداءات إلى الأمة الألمانيّة»، ذلك العمل الرائع الذى ألقاه فى قاعة من قاعات جامعة برلين فى شتاء سنتى ١٨٠٧- ١٨٠٨.

وبمثل هاتين الشخصيتين العظيمتين، تجيء مقومات الثقافة النشطة الباقية ويذهب كل ما هو ضدها من ثقافة الهمم الناعسة الخاملة.

إنّ هذه الثقافة الباقية لهى هى الثقافةُ نفسها التى بالحريّ أن يُقال فيها إنها، إذا هى كانت من شأن حياتنا الخاصّة الباطنة، فهى تجيء على الأصالة من صنع كل واحد منّا، يقدّها على قدّه، ويصوغها وفق طبعه، فمن هنا، تجئ قيمة الإنسان الحقيقية كامنة فيما عساه يضيفه فى حياته : قيمته ليست فى منصب زائل ولا جاه ولا مال ولا سُلطان، ولكن فى إضافته للقيمة الباقية فى حياته يستحق بها أن يكون إنسانًا على الحقيقة.

ومن الخطأ الشائع إذن أن يُقال إننا مدينون بها إلى غيرنا. وإذا كنّا مدينين بثقافتنا إلى الإنسانية الماضية، فليس أقربُ إلى التّصور من أن نكون جادين حين نفى للإنسانية بهذا الدّين، إذا نحن عملنا جاهدين لتقدّمها فى مستقبل الأيام.

رجالٌ أحيوا أممًا, وصنعوا شعوبًا، وقاوموا التخلف والبلادة والركود حتى نهضت شعوبهم وسادت، فلا أقلّ من أن يكونوا مدعاة للخلود؛ لأنهم مدعاة لكل رقى وتحضّر وصمود.