عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إشراقات:

ظاهرة عجيبة لاحظتها مؤخراً.. بعد أن استدعيت من ذاكرة الماضى..صورة أبى وأمى..فقد كانا رحمة الله عليهما.. إذا ما وضع الأكل على «الطبلية» - وهى مائدة الطعام الشهيرة فى الأرياف - لا تمتد أياديهما إلى رغيف العيش الكامل أبداً.. إلا إذا انتهيا من أكل بقايا.. «كسر» الخبز المكسورة.. أو ما يمكن أن نطلق عليه الآن «الفتافيت»!!

أما نحن الأولاد.. فكنا نتسابق فى كسر الرغيف الشمسى.. حتى لو لم نأكل منه إلا القليل.. وحتى لو كان لتكملة الطعام!!

أما الأب والأم.. فلا تمتد أيديهما لكسر الرغيف الكامل.. إلا إذا انتهت كل كسر الخبز.. المتبقية منا.. أو تلك المتبقية من وجبة سابقة!!

وبالأمس.. ضبطت نفسى متلبساً بنفس الفعل.. فقد لاحظت أننى لا أمد يدى لكسر رغيف جديد.. إلا إذا انتهيت من تناول كل كسر الخبز.. المتبقية من أولادى فى كيس العيش!!

أما أولادى فيتسابقون - كما كنا أنا وأخوتى فى الماضى - فى كسر الرغيف الكامل.. حتى لو تناولوا قطعة صغيرة منه!!

احترت.. وتساءلت بينى وبين نفسى.. هل هو نوع من البخل.. أم الحرص.. أم هو نوع من التقدير للخبز.. والخوف من زوال النعمة.. إذا لم نعامله بالاحترام اللائق به!!

لدرجة أن الخبز تقريباً.. هو الشيء الوحيد تقريباً.. الذى إذا ما وجدناه فى طريق سيرنا فى شوارعنا.. فإننا على الفور نقوم بتقبيله.. ووضعه تحت الحائط حتى لا تدوسه الأقدام والأحذية.. فتنزل علينا لعنات السماء.. لإهانتنا هذه النعمة الغالية!!

بل بلغ تقديرنا وتقديسنا للعيش.. أن أصبح نوعاً من أنواع «القسم» لدينا.. فنقول وحياة «العيش والملح»!!

وهذا يعنى قمة الإخلاص ونفى الخيانة.. لأن من يأكل معنا عيش وملح.. لا يجوز خيانته أبداً.. أو حتى تخوينه.. ومن هنا جاءت أهمية العيش والملح.. واللى ما يخونهم إلا ابن الحرام.. ولو فعلها ابن الحلال.. لخرج على الفور من زمرة ولاد الحلال.. إلى طائفة ولاد الحراااام!!

وأيضاً من شدة احترامنا للعيش.. إن وضعناه على رأس أهداف الثورة.. فقلنا «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».. يعنى جاء العيش على رأس مطالبنا الثورية..فى ثورة يناير!!

وفى كل الثورات.. حتى إن انتفاضة 17 و 18 يناير 1977.. سميت «انتفاضة الخبز».. لأن الثورة اشتعلت فى ربوع البلاد.. بعد غلاء الأسعار للعديد من السلع.. وعلى رأسها العيش.. رغم أن السادات أطلق عليها انتفاضة الحرامية.. لأنه عز عليه أن يصدق أن الشعب.. ثار عليه وهو القائد المنتصر.. قبلها بأربع سنوات فى أكتوبر 73.. ولم تهدأ ثورة الشعب.. إلا بعد أن تراجع الرئيس عن زيادة الأسعار.. لكل السلع وعلى رأسها العيش!!

ومن هنا فإننا دائماً وأبداً.. نحذر من المساس برغيف العيش.. فهو مسمار المعدة.. والعمود الفقرى على مائدة الفقير.

كله إلا العيش يا خوانا والنبى.. وحياة العيش والملح!!