عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

«قلبى على ولدى انفطر وقلب ولدى عليا حجر» جملة نادرا ما كنا نسمعها فى افلام زمان، أيام ما كان عقوق الابناء و«قلة أدبهم» على والديهما شيئاً نادر الحدوث، وكنا «نمصمص» الشفاة ونتعجب للفيلم الذي يسرد قصة ابن غير بار بوالديه، على غرار فليم «غضب الوالدين» أو «بالوالدن احسانا» أما الآن فلم نعد «نمصمص» الشفاة ولا نتعجب، لانها لم تعد مجرد جمله، بل قاموس وناموس حياة نعايشه تقريبا فى كل بيت، ولم يعد هذه الفيلم مجرد قصة سينمائية خيالية، بل قصص واقعية حولنا نراها فى كل لحظة، لماذا صار ابناء الجيل بهذا القدر البشع من العقوق والنكران وسوء الأخلاق، وعدم احترام الكبير أو توقير خبرة الشيخ الجليل، لماذا اصبح صوتهم من «دماغهم»، لما يصرون على السير لطريق الضياع بكل جبروت.

 أحاول أن ابحث عن اجابة منذ استمعت لصاحبتى، تلك الأم التى تناولت طرفا من قصتها الاسبوع الماضى، حول مدى معاناتها وصدمتها فى فلذة كبدها طالب الجامعة، وكيف صار عاقا متمردا، لا يرى فى والديه إلا أذنا تستمع لمطالبة وبنكا يمول هذه المطالب والرغبات، ورأيت أن عقوق الابناء ينتج عن عدة عوامل ومؤثرات، داخل الأسرة وخارجها، أول الأسباب تعرية أى مشاكل بين الأب والأم أمام الأطفال، وتطور هذه المشاكل الى مشاحنات ومشادات وتلاسن يمكن ان يصل الى حد التطاول بالأيدى من قبل الأب على الأم، أو العكس «حتى وإن ندر»، وهذا يؤدى الى انهيار أول قيمة ونموذج أو مثل يمكن أن يحتذى به الطفل، حيث تتحطم صورة الأب والأم والمحترمة، لتحل محلها صورة شائهة، تفقد الطفل الثقة فى والديه، وفى قدرتهما على حل مشاكله، فكيف لهما فى المستقبل أن يحلا مشاكله المختلفة المتطورة المكونات، أو يسديا له بنصيحة لها قيمة.

وانهيار الصورة المحترمة للأبوين فى عيون الطفل، يجعله يبدأ أولا بممارسة نوع من الابتزاز لأحد الطرفين على حساب الآخر لتلبية مطالبه، حيث يحاول كل طرف بالتالى سواء الأب أو الأم استمالة الطفل فى صفه ضد الطرف الآخر، حتى لو كان هذا الاستقطاب «لا يحل أو يبل» فليس للطفل الصغير ثقل، ولكن أحد الأبوين يرى فى استقطاب الطفل بجانبه غلبة وقوة فى مواجهة شريك حياته الذى تحول بفعل المشاكل إلى طرف آخر وإن لم أقل عدواً.

وهكذا تنمو بذرة التمرد وعدم الاحترام داخل الطفل مبكرا تجاه والديه، لذا ينصح دوما أطباء علم النفس والاجتماع بعدم مناقشة أى مشاكل بين الأبوين واظهارها أمام الأطفال، لاعطاء صورة صحية.

المؤسسة الثانية التى تسهم فى خلق وتنمية التمرد والعقوق لدى الأبناء هى المؤسسة التعليمية، والتى يطلق عليها التربية أولا ومن ثم التعليم، وبالنظر الى مدارسنا يا سادة الآن، لن نجد بها للأسف شيئاً واحداً يدعو أولادنا للاخلاق الحميدة، بدءا من سوء خلق وتعامل غالبية المعلمين مع التلاميذ بأسلوب «الردح» والسب والضرب، وابتزازهم بالدرجات مقابل الحصول على الدروس الخصوصية، إضافة لممارسة القهر والقمع ومصادرة الحرية فى التفكير أو طرح أى اسئلة، وهذا يولد نوعا من الكبت لدى الأطفال والكراهية ضد المدرسة ومعلميها، وتتم ترجمة ذلك والتنفيث عنه من قبل الطفل داخل المنزل، لأن الطفل يخاف المعلم أن يعاقبه ويسلخ جلده بالعصا، بالتالى ينفث عن غضبه وكراهيته للمدرسة فى اعلان الغضب والرفض لأوامر والديه والعقوق المبكر بلا مبرر، إذا يرى فيهما الضعف وعدم قدرتهما على حمايته مما يلقاه فى مدرسته، لذلك مطلوب وعلى وجه السرعة إعادة صياغة منظومة التربية أولا ثم التعليم فى مدارسنا، عمل دورات تدريب وتهذيب واصلاح للمعلمين، قبل أن تنتج مدارسنا المزيد من الأجيال الفاقدة للأخلاق المرتمية فى احضان العقوق والانفلات.

ثالث الأسباب يا سادة ما يتعرض له أولادنا عبر التليفزيون والانترنت من اجتياح عاصف للأخلاق والمبادئ والمثل، وتحول هذه الوسائل الاعلامية الى ما يشبه البؤر والأوكار لتصدير كل ما هو ساقط وسلبى من الأخلاق، حتى افلام الرسوم المتحركة التى يشاهدها الزهور والبراعم من أطفالنا، لغتها سوقية هابطة، بها قصص رديئة، تعلم الأطفال الكذب والخداع تحت مسمى الذكاء، بل من الأفلام ما يقدم لأطفالنا قصصاً عن اللصوص والعصابات، وهكذا نغذى النشء سوء التربية واللا أخلاق، فكيف له ان يتقبل ما يحاول ان يعلمه له والداه من أدب وطاعه، وهو يومياً معرض لغزو فكرى وثقافى مدمر لساعات طويلة انشغل فيها الآباء رغما عنهم لتدبير أمورهم الحياتية الطاحنة، ومن هنا مطلوب مشروع تثقيفى تعليمى اخلاقى تتم ترجمته عبر افلام الكرتون وبرامج الأطفال الموجهة فى ساعات بث تتلاءم مع الأطفال فى قنواتنا الرسمية وفى كافة الفضائيات «ان كانت تتقى الله فى هذا النشء»، لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه من أجيال جديدة ستخرج للدنيا وهى «مهلهلة» نفسيا وخلقيا لا جدوى من وجودها إلا مزيد من تدمير المجتمع المصرى، الذى كنا قديما نتغنى بأخلاقه وقيمه أمام العالم.

رابع الأسباب يا سادة غياب دور الرقابة الحقيقى على الأعمال والمصنفات الفنية، والتى تركت الحبل على الغارب لتلك الفنون التى تنشر العرى والفسق والفجور، وتقدم حتى صورة بشعة لرجال الدين فى أعمالها الفنية، صورة رجل الدين «النسوانجى» التابع لأولى الأمر والذى يظهر غير ما يبطن، فكيف لأبنائنا أن ينشأوا نشأة سليمة طيبة بارة بوالديها مع «توسنامى» لا أخلاقى على جميع الأصعدة والمستويات، ومن هنا يجب اتخاذ قرار جمهورى وطنى بمصادرة واعدام كل الأعمال الفنية الهابطة، وتغريم أصحابها، بل واقامة دعاوى قضائية يتم بموجبها معاقبتهم ولو بالسجن، بتهمة تدمير الاخلاق المصرية، وفى هذا الصدد أطالب بتشريع قانون يجرم أى شخص يحاول المساس بالقيم والمبادئ والاخلاق من قريب أو بعيد بأى عمل فنى أو ادبى، وليس فى هذا مصادرة للحريات الفكرية وفقا للمتشدقين، فالحرية ايضا التزام.

 ولعقوق أولادنا وسوء أخلاقهم أسباب أخرى سأسردها لاحقا مع حلول علاجها..وللحديث بقية.

 

[email protected]