رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

في الذكرى الأولى لوفاة العالم الجليل والقدير دكتور أحمد زويل عدت بالبحث عن طفولة نهضة مصر التي بدأت مع الاتصال بالغرب الأوروبي عقب الحملة الفرنسية على مصر عام  1798 ، ووقتها كانت الدعوة للاشتغال والانشغال بالعلم وكأنها تبشير بالكفر والإلحاد والانصراف عن الدين - إلى الحد الذي شغل بعض الشعراء بالكتابة عن خطر العلم على الدين والمتدينين ومن ذلك ما كتبه الشاعر بهاء الدين ابو حسين العاملي ( 1547 - 1626) « على كتب العلوم صرفت مالك  وفي تصحيحها أتعبت بالك - وأنفقت البياض على السواد إلى ما ليس ينفع في المعاد .. وقول آخر : أيها القوم الذي في المدرسة   كل ماحصلتموه وسوسة - فكركم إن كان في غير الحبيب ماله في النشأة الأخرى نصيب .

وهكذا كان الحال قبل الحملة الفرنسية - مجتمع خامل تائه في دهاليز الماضي ومجافٍ للتجديد وكانت النغمة السائدة - كما يذكر الدكتور محمد عمارة في مؤلفه «رفاعه الطهطاوي رائد التنوير - أن الأولين لم يتركوا للآخرين شيئا، وأن الخير كل الخير في التقليد والاتباع ، والشر كل الشر في التجديد والابتداع - كانت الحملة الفرنسية بمثابة الصدمة الحضارية للمصريين، ولأول مرة ينزل منشور بونابرت على المصريين كصاعقة الزمن التي تزلزل العقل وتنفض عنه غبار السنين لأنه منشور جاء مخالفا لما استقر بعقولهم ونفوسهم إذ يقول ( إن جميع الناس متساوون عند الله ، وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط .. ) .

وعاد رفاعة الطهطاوي من باريس بخلاصة فكر التقدم ليبذر بذرته الأولى في أرض على قدر خصوبتها فقد ظلت عصية على التجدد لأكثر من خمسة قرون قبل الحملة الفرنسية ، ونجح الطهطاوي وساعده والي مصر محمد علي باشا الذي يظل حجر الزاوية في بناء مصر الحديثة التي نعرفها ونحمل تراثها الحضاري .. وبعد ما يقرب من قرنين من وفاة الطهطاوي عرف العالم النابغة المصري الدكتور أحمد زويل - عالما فذا أضاف لثورة العلم اكتشافات جديدة لا تقل تأثيرًا على حياة البشر ومسيرة الكون عن اكتشافات جاليليو وكوبرنيكس ونيوتن.

لقد نظر بعض المصريين لأحمد زويل على أنه طهطاوي جديد ، وهي بلا شك نظرة عاطفية أكثر منها عقلية أو منطقية لفروق بين الرجلين والعصرين .. الطهطاوي أزهرى استوعب مفاتيح التحضر وعاد إلى مصر مبشرًا بها وناشرًا لها - أما الدكتور زويل فقد ظل راهبًا في محراب العلم يبحث ويطور إلى أن فاجأ الدنيا باكتشاف وحدة زمن جديدة فيما عرف بالفينتو ثانية، ولهذا الاكتشاف تأثيره العظيم على مجالات متعددة في الطب والزراعة والصناعة وغير ذلك الكثير .. أما الفارق بين العصرين فإن عصر الطهطاوي كانت مصر على يد محمد علي تخطو نحو حلم امبراطوري وقد تحقق لها الكثير من الحلم إلى أن اصطدمت الخطى بالقوى العالمية التي وقفت بوجهه في مؤتمر لندن 1840 لحصر دولته في مصر والسودان وجزيرة كريت.

وفي عصر زويل كانت مصر تحت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك - دولة آثر حاكمها خلال ثلاثة عقود أن يجمدها داخل ثلاجة عقله الكسول ونفسه الخنوعة، وذبلت مصر في عصر العلم وجهلت التقدم في عصر ثورات المعرفة واستكانت للتراجع في وقت تقدم فيه كثيرون كانوا يتسولون على أبوابها في عصر محمد علي .. وفي الذكرى الأولى لوفاة العالم الجليل أحمد زويل يطيب لي أن أتوقف مع القراء أمام أفكاره ورؤاه في كتابه « عصر العلم » والذي تقول بعض سطوره ( إن الحياة تبدأ وتنتهي والقوى العظمى تعلو وتهبط لكن الأمم عبر التاريخ هي التي تصنع المستقبل .. إما مستقبل مضيء أو مستقبل مظلم .. الأمر يتطلب القيادة الحكيمة التي تملك البصيرة، وحرية الفرد ، والايمان مع عدم الاستخدام الخاطيء للدين . والشعوب تقرر .. إما مستقبل فيه المحمول والنيو لوك أهم الأساسيات ، أو مستقبل يكون فيه الرخاء الاقتصادي والفكري والبحث عن المعرفة هي الأساسيات .. ) .

هكذا رأى الدكتور زويل الطريق للمستقبل - وهو الطريق الذي مازلنا نضل سبل الوصول إليه في مصر حتى اللحظة .. رحم الله الطهطاوي وأحمد زويل .