رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أدخل صباحاً إلي مقر عملي في جريدة الوفد فأجدها جالسة هادئة، ملامحها الطيبة تطفو علي وجهها الكريم كوجه أهل مصر الطيبين، تحتضن المرض داخل أضلاعها وكأنها لا تريد أن يعرف أحد عن ألمها شيئاً، تقوم من مجلسها لتباشر عملها ثم تعود إلي نفس المكان في هدوء شديد يشبهها تماماً.

إنها الحاجة «أم أسامة» وهذا ما أعرفه عنها، أعرف أنها سيدة طيبة كأمهات مصر كلهن، تسعي إلي كسب رزقها وقوت يومها رغم ما تعانيه من قسوة المرض وصعوبة الأيام وظروف الحياة، أتذكر لها كلماتها الرقيقة العذبة لي بالتوفيق والكرم من الله، ولا أخفي عليكم كنت أحب سماع هذه الكلمات منها وأكون بدعائها هذا من السعداء، يفرح قلبي وتبتهج روحي، وأشعر بأن دعاءها هذا يصل إلي السماء مستجاباً ويقيني أنه كذلك.

أم أسامة لم تكن تعرف تفاصيل الحياة السياسية التي نعيشها، لم تكن تهتم بما يدور حولها من الإعلام أو ما يحدث فيه، لم يكن يشغلها صراعات من مع من، أو من ضد من، تلك رفاهية لم تقدر علي ممارستها، وترف بعيد عنها ككثير من أهل بلدي.

تلك السيدة كما كانت تجلس بهدوء وتعيش في هدوء وتحتضن مرضها في صبر رحلت عن دنيانا بنفس الطريقة، لقد رحلت في صمت وفي هدوء شديد، لم تزعج أحداً لا في حياتها ولا عند مماتها، هكذا يفعل الطيبون بنا وفينا، لا نشعر بآلامهم ولا يشغلوننا بهمومهم وكأنهم لم يكونوا معنا، ولكن عند رحيلهم نفتقدهم بشدة، ونشعر بفراقهم، ونعرف جيداً مساحة الفراغ التي تركوها عند رحيلهم.

هنا فقط وعند هذه اللحظات التي نعرف فيها أن أحداً من أقاربنا، أو شخصاً عزيزاً علينا قد رحل دون استئذان، ودون أن نعبر له عن مشاعرنا، ودون أن يعرف كم نحبه ونقدره، هنا يحدث الألم واللوم والحزن ،ونشعر بخيبة الأمل والعجز ونعرف تماماً عند هذه اللحظات أن ما فات لا يمكن أن نعيده.

 لذلك ومن هنا أيضاً أدعوكم جميعاً أن تقولوا لمن تحبون أنكم تحبونه، ولا تبخلوا بمشاعركم عليهم، ولا تنتطر الغد لتقول له ما بداخلك من كلمات طيبة بل الآن، فلا تدري هل يسمعك من تحب بعد ذلك أو سيرحل عنك.

أعلم ان الموت سنة الحياة وأعلم أيضاً أن «مفرمة الهموم» والمشاغل تدهسنا جميعاً ولكني أعلم أيضاً أن هناك فرصة دائمة ومتجددة وباقية للتعبير عن مشاعرنا طالما مازلنا أحياء، فلا تجعلها تفوتك ولا تجعل من قطار اللوم يقف عندك دائماً.

من منا لا يريد أن يحقق حلمه ويثبت لذاته قبل الآخرين أنه كيان يتطور وينمو ويتقدم للأمام؟.. لا أحد، من منا لا يريد أن يعيش في رخاء ورفاهية وزهو ونعيم؟.. لا أحد، ولكن وسط هذا السعي لتحقيق الأحلام والرخاء تذكر أن هناك أناساً حولك سعادتهم في التعبير عن حبك لهم، وأن الرخاء النفسي لهم يأتي من اهتمامك بهم، وأن النعيم لديهم هي كلمة طيبة منك.

هذه دعوة للجميع لم أكن أعرف قيمتها، ولكن رحيل هذه السيدة الطيبة «أم أسامة» ذكرني بشدة وجعلني أتأمل مشاغل الناس وقسوة المشاعر التي تجعلنا نحزن «بضرب اليد علي اليد» وحركات من الفم تشير إلي الاستياء والحزن ونذهب بعد ذلك وكأن شيئاً لم يحدث.

فقلت أذكركم وأذكر نفسي عسي أن نسعد من حولنا مجاناً بكلمات لن تكلفنا شىء سوي التعبير عن مشاعر نبخل بها دائماً وننساها أحياناً ونندم علي كتمانها كثيراً.. رحم الله أم أسامة. 

[email protected] .com