عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اثنان وأربعون عاماً مرت على حرب أكتوبر المجيدة.. والسؤال يتكرر كل عام: لماذا لم تعرف المكتبة العربية عملاً إبداعياً يتناسب وضخامة هذه الحرب التى أعادت إلى المواطن العربى كرامته وقضت على أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وغيرت الكثير من المفاهيم العسكرية التى كانت سائدة وقتها.

لا شك أن هناك ندرة في الإبداع الروائي وعلاقته بحرب أكتوبر، وأن ما انتج من أعمال لا يرقى إلي مستوى الفن الحقيقي... وعند ذلك تقام مقارنة ظالمة بين هذه الأعمال والأعمال الكبرى في الآداب الأجنبية كـ«وداعاً للسلاح» لهمنجواي و«والدون الهادئ» لشولوخوف و«الأمل» لمارلو و«أفول القمر» لشتاينبك وغيرها.

وبرغم كم الأعمال التى حاولت تأريخ انتصار السادس من أكتوبر 1973, إلا انها جميعا لم تكن على مستوى الحدث الهائل الذى اذهل العالم أجمع, وافتقدت هذه الاعمال العلامات الأدبية التى تصل إلى قامة الأعمال العالمية التى رصدت مناسبات مماثلة, فلا تزال رواية الحرب والسلام لتولستوى من أفضل الروايات التى أرخت للحرب.

يذهب فريق من الآراء إلى  أن فى الأحداث الوطنية الكبرى تكون كتابات الأدباء عن الهزائم أكثر من الانتصارات وهى صفة سائدة فى العالم كله وليس فى مصر وحدها, فالمبدع يكون فى أحسن حالاته عندما يحتج على خلل ما, وحرب أكتوبر بالتأكيد هى الوحيدة التى انتصرنا فيها خاصة فى العشر الأيام الأولى, وجميع قادة العالم قالوا إن خط بارليف لن يؤثر فيه إلا القنبلة الذرية ولو حدث اقتحام له –جدلا- سنفقد 40% من القوات التى ستنفذ هذا الاقتحام, ولكن انتصارنا الحقيقى كان فى عنصرى الخداع والمفاجأة, فقد نجحت القيادة العسكرية المصرية فى خداع العدو لدرجة أن مجلس الوزراء الاسرائيلى اجتمع فى نفس يوم الحرب لمناقشة اعلان التعبئة العامة بعد ورود أنباء عن الحرب بعد ساعات, وانتهى الاجتماع برفض إعلان التعبئة لعدم جدية الأنباء وكان الرفض من موشى ديان.

وحرب أكتوبر المليئة بالأسرار والمعجزات فمثلا حكاية الساتر الترابى العملاق وفكرة المهندس الشاب تسليط خراطيم المياه بسرعة فائقة عليه وقيام وزارة الزراعة باستيراد الخراطيم بدلا من وزارة الدفاع امعانا فى السرية, وعشرات الحكايات التى تحتاج الى من ينقب عنها ويخرجها الى النور خاصة بعد زوال الحقبة السوداء التى كانت تفرض على المبدعين اسلوبا معينا فى تناول الأحداث, فحسنى مبارك هو صاحب الضربة الجوية التى حسمت المعركة, والمبالغات عن الأدوار العظيمة لاشخاص بعينهم فى عدة مواقع مباحة بل مطلوبة, أما الآن فنحن فى شرعية الثورة نستمد منها الحرية والإبداع فثورة يوليو انتهت بعد نكسة 67 والسادات استمد شرعيته من حرب أكتوبر ومبارك جمع بين الاثنين وركز على الضربة الجوية, والأمل الآن فى شباب الثورة الذى خالف كل التوقعات وفاجأنا جميعا, هذا الشباب ننتظر منه الكثير خاصة فى الساحة الأدبية لانه عانى الكثير والإبداع ينطلق دائما من رحم  الألم والحكمة المنقوشة على التمثال الذى رأه بطل رواية توفيق الحكيم تقول (لا يصنع الفن العظيم الا الألم العظيم).

فحرب أكتوبر تلك الملحمة الرائعة تم اختزالها فى شخص قائد الضربة الجوية ودارت الأعمال الأدبية والإبداعية حول مفهوم الضربة وصفات قائدها وإظهار محاسنه, وحتى الاحتفالات الفنية جميعها لم تخرج عن هذا الإطار وبالتالى تم حجب الاحتفالات الموازية باستثناء احتفالات الفرق الشعبية فى مناطق القناة وسيناء والسلوم لأنها المناطق الحدودية التى تلقت الضربة الاولى, إلا أن السينما كانت أكثر وعياً فقدمت بطولات فترة الاستنزاف فى أفلام (أغنية على الممر- والطريق إلى إيلات) وغيرها من الأفلام التى صورت الحرب, وفى حرب 1973 ظهرت بعض الافلام لم ترق قط إلى عظمة المناسبة التى تحدث عنها العالم أجمع.

(والآن بعد ثورتى يناير ويونية لابد من العودة إلى الوعى الوطنى وتوظيف الاعمال الفنية فى اظهار بطولات كل من شارك فى حرب 67 و73 لان هناك بطولات رائعة لا حصر لها اسرارها عند بعض قيادات القوات المسلحة ومنهم من لا يزال على قيد الحياة حتى الآن ومن حكى بالفعل بعض هذه البطولات ولم تجد صدى يذكر, وللاسف أن الأدب المكتوب الذى رصد حرب أكتوبر اختزلها فى مذكرات القادة والساسة العسكريين أو روايات المقاتلين الذين خاضوا المعركة وهم يحكون ما شاهدوه فقط ومن وجهه نظرهم, والمطلوب الآن البحث عن الأسرار والتنقيب عن الخبايا والاجتهاد فى اظهار الحقائق خاصة بعد جرعة الحرية التى نتمتع بها جميعا.

والحقيقة أن المبدعين يعبرون عن المأساة ببراعة ولا يستطيعون التعبير عن الفرح والانتصارات بنفس البراعة والاندفاع والحرارة ففي نكسة 1967 استمعنا إلى كم هائل من الأغنيات التى جسدت الهزيمة ومرارتها وحالة البلاد والعباد وكذلك مئات القصائد الشعرية, لذلك لم تصاحب حرب اكتوبر حركة إبداعية بشكل عام، أو حركة شعرية على وجه الخصوص.

فأين حقوق الأجيال الجديدة التى لم تعاصر حرب أكتوبر ولم تقرأ ما يشفى غليلها فى المعرفة خاصة أن ما ظهر من أعمال أدبية فشل فى استيعاب الحدث واعتمد على نفاق الحكام والوثائق المزيفة, فمتى يخرج علينا المبدعون بأعمال تتسق مع الانتصار العظيم الذى أزال طعم مرارة الهزيمة من أفواهنا ومحا آثار العار من نفوسنا, وهل ينتظر التاريخ كثيرا حتى يضم بين دفتيه الحقيقة الكاملة؟!

[email protected]