رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

أقولها صريحة بلا خوف من غضب أحد، أو أن يرفع علي مليون دعوى بزعم الإهانة أو غيرها من الاتهامات بزعم أنهم وطنيون، وإنى خائنة وعميلة وطابور خامس حتى، نعم سأقولها، نحن شعب يحتاج إلى إعادة تربية - إلا قليلاً من رحم ربى - تربية فى كل شيء، تربية دينية.. وطنية.. اجتماعية، نحتاج إلى إعادة تقويم سلوك، إلى أن نعود إلى أصولنا، إلى ضمائرنا، أن نخاف الله وندرك أنه يراقبنا، ألا نستغشى من البشر سراً بجرائمنا وفسادنا، ونعتقد أن الله غافل عنا، وأعذر فى هذا الرئيس السيسى الذى اختاز ضمن لجنة الحكماء أو لجنة العلماء والمستشارين الدكتور العلامة أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى، ليهتم بملف الصحة النفسية للمصريين، وذلك لأول مرة فى التاريخ المصرى، فقد أدرك الرئيس بفطنته وخبرته، أن الشعب المصرى بات يحتاج إلى من يرعى صحته النفسية، إلى من يرشده إلى السلوك القويم، إلى من يقوم أفكاره ويصوب منهجه فى الحياة من أجل مستقبل هذا البلد المسكين الذى أقسم بالله أنه رغم كل ما فيه هو فى نظرى أعظم بلد فى العالم.

وإن كنت لا أعلم للآن ما تم فى هذا الملف الشائك الغريب الذى تم إسناده إلى الدكتور عكاشة، لكن واثقة أنه هو نفسه الخبير بشئون النفس البشرية بكل تعقيداتها وتشوهاتها، قد أصيب بالفاجعة، عندما بدأ يرصد عن قرب السلوكيات الجماعية لما صار إليه شعبنا - إلا من رحم ربى - وهم قلة بين 98 مليوناً، وسأواصل فى هذا ما بدأته الأسبوع الماضى، عن طرح المقارنة بين ما يحدث فى مصر من عجائب تهدم ألف وطن، وما يحدث فى البلد الأوروبى الصغير هولندا، الذى غادرته بعد عقدين من الزمان بأولادى، اعتقاداً أنى أفر بهم من الانحلال الخلقى إلى بلدى الذى يحافظ على القيم والأخلاق، فإذا بى لا أجد أى فارق وقد تغير الحال عن الثمانينات، بل وجدت فى مصر الفجاجة أكبر، والانحلال رقعته أوسع، والكل لديه مبرراته فيما يفجر فيه، فى هولندا الرذيلة أو القبح معروف وعليه علامة حمراء، فى مصر القبح تخلل كل مواطن الجمال، واختلط الحابل بالنابل، وغطت أقنعة الزيف كل شىء تقريباً، فى هولندا لا يمكن أن يكذب عليك أحد، إلا أن كان مريضاً نفسياً، فى مصر لا يصدق معك أحد إلا أن كان مجنوناً بموجب أوراق رسمية تثبت أنه فاقد العقل، فالمجانين وحدهم باتوا ببلدنا الرائع هم الذين لا يكذبون.

فى هولندا التى لا تنتشر بها العقيدة الروحية ولا ظواهر التمسك بالأديان ولا يرتفع الأذان خمس مرات، ولا يهرول الناس للمساجد، ولا يزور الكنيسة إلا قلة، فيها لا ينافق أحد، ولا يتسلق على كتف الآخرين أحد، لا واسطة ولا محسوبية، وإن حدث - فيما ندر - بأى مؤسسة عملية محسوبية أو استغلال نفوذ «تكون فضيحة بجلاجل»، يحاكم فيها كل من له صلة بهذه المصيبة العظمى، أولاد الوزراء أو حتى رئيس الحكومة، عليهم أن يقفوا فى صفوف طالبى العمل شأنهم شأن أقل مواطن، ومن هنا كان لديهم التميز الفردى، الذى ليس له علاقة بالأسرة ولا الجماعة التى ينتمى إليها، بمعنى أن كل شخص منذ نعومة أظفاره يعتمد على نفسه بصورة تامة فى كل شىء، فى البيت، فى التعليم، فى البحث عن عمل، الأم ليست مطالبة بأن تذاكر لابنها، وأن تطحن نفسها ليلاً بعد عناء النهار غرقاً فى دروس الصغار، بل هذا دور الطفل مع معلميه بالمدرسة.

ومن هنا لا يوجد ما يعرف بوباء الدروس الخصوصية التى انتشرت كالسرطان فى مصرنا، فالمعلم هناك يعشق عمله، يبذل كل ما بوسعه لإيصال المعلومة للتلاميذ، عبر الوسائط المختلفة المتقدمة، زيارة المكتبات، عبر الأنشطة الإضافية، المعامل، أو حتى الرحلات، وتعليمهم «حسرة علينا» مختلف، الكتب ليست محشوة بالتعقيدات واللوغريتمات، مناهجهم تعتمد على الفهم وتنشيط الخيال والابتكار وتشجيع البحث والاجتهاد، يتم تدريبهم على عمل الأبحاث والمشروعات الدراسية والعلمية المشتركة فى مجموعات، الفصل الدراسى مملوء بالنشاط والحيوية، مما يحبب الطفل فى المدرسة، ويجعله يتعلق بمعلميه حباً واحتراماً، فى مصرنا تتعذب الأم يومياً لإقناع طفلها بالذهاب للمدرسة، بسبب ما يلاقيه من سوء معاملة وقهر حتى إن كانت الأسرة تدفع عشرات الآلاف سنوياً لمدرسة خاصة أو دولية، لأننا كمصريين صبغنا بتفكيرنا وأساليبنا المتخلفة المدارس الدولية لدينا بصبغتنا الخاصة، فباتت كالمدارس القومية فاشلة، متحجرة، طاردة للأولاد والعلم، حولنا - بقدرتنا العجيبة على تشويه الجمال - المدارس الدولية إلى قومية بـ «قبعة» فى صورة «دولار» أو جنيه إسترلينى.

فى هذا البلد الأوروبى الصغير الذى خلق نفسه من جديد بأيدى أبنائه فى أقل من عقدين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية التى هدمت فيه كل شيء فكان أطلالاً معدمة، فى هذا البلد عندما تحدث مشكلة للطفل فى المدرسة، لا تلجأ المعلمة أو المديرة إلى استدعاء الآباء وتوبيخهم أمام طفلهم لأنهم لم يربوه جيداً، أو حتى توبخ الطفل أمام والديه لهز ثقته بنفسه وزرع كراهية التعليم بداخله، فآخر ما يتم اللجوء إليه هو استدعاء الآباء إذا ما كانت المشكلة «كومبلكس» تماماً وفى ذروة التعقيد، هناك  يتم العمل على حل مشكلة الطفل بالرفق واللين والحوار، وعرضه على الاخصائية الاجتماعية أكثر من مرة، للتوصل إلى الأسباب النفسية وراء ما يثيره من مشاكل، والعمل على إزالة الأسباب من جذورها فلا تحدث تراكمات.

فى مدارسنا العبقرية هنا، إذا ما ارتكب التلميذ مشكلة، أول شىء يتم اللجوء إلي عقابه وإهانته، ومن ثم استدعاء أهله، وإفهامهم بصورة لا ريب فيها أنهم فشلة، وأن ابنهم مش متربى، ويا ريت لو نقلوه لمدرسة أخرى، لأنه سيفسد أخلاق باقى التلاميذ، على أساس أن أخلاق الباقين رائعة، وأذكر مشكلة واجهتنى مع ابنى الأكبر بعد عودتى، رغم أنه كان فى مدرسة دولية من تلك التى تهلب الآلافات، كان سبب المشكلة تافهاً جداً، الولد أخرج هاتفه من حقيبته أثناء نزوله على السلم وهو فى طريقه إلى خارج المدرسة، ليطلب من والده الحضور ليقله بعد أن أنهى الحصص بصورة مبكرة.

وكان إن ضبطه مدير قسم الآى جى، وهو نفسه مدرس مادة الحساب «بالمناسبة هذه المدارس الدولية تنتقى غالباً الأسوأ والأقل خبرة من المدرسين حتى لا تدفع رواتب كبيرة، وتلهف هى الآلافات» المهم أصر المدرس على مصادرة الهاتف، بل أهان الولد بصورة جارحة أمام زملائه بلا مبرر، وحاول الولد الاعتراض، وأن يقنعه بأنه لم يستخدم الهاتف داخل الفصل لمعرفته بأنه محظور، بل استخدمه على السلم وهو يهم بمغادرة المدرسة، وتطور الأمر إلى أن أصر المدرس على طرد الولد من المدرسة تماماً ونقله لأخرى «فهو المدير» وكان يعلم تماماً استحالة النقل فى هذا التوقيت.

وتطور الأمر، وحاولت الاستعانة بزميلنا المحترم زكى السعدنى مندوبنا فى وزارة التعليم، عسى أن نجد حلاً ودياً، لأن البيه المدير رأسه وألف «...» لازم يضيع  مستقبل الولد عشان يؤدبه هو واللى خلفوه.. وللحديث بقية.

 

 

[email protected]