م.. الآخر
لم يعد أمام البنوك المركزية العربية رفاهية من أجل التراخى فى اتخاذ الإجراءات الرقابية الدولية والمحلية لحماية اقتصادها من العمليات غير المشروعة، مثل تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، فالعالم يتجه نحو تطبيق المزيد من التعليمات الرقابية التى دفعت كثيراً من البنوك العالمية إلى قطع علاقاتها مع مراسليها، خاصة فى الدول العربية التى لا تلتزم بنوكها بهذه التعليمات.
وتواجه المؤسسات المصرفية والمالية العديد من التحديات، منها الفاتكا التى تلزم البنوك بالإبلاغ عن العملاء الأمريكيين وغير الأمريكيين الذين قضوا 180 يومًا فى أمريكا بشكل متواصل، واتفاقية الجاتكا، التى تلزم البنوك بالإبلاغ عن جنسيات العملاء لإخطار بلدهم الأم.. وعملت لجنة بازل للرقابة المصرفية، منذ الأزمة المالية العالمية، على إصدار مجموعة واسعة من التعديلات ووصلت إلى مقررات بازل III بهدف التقليل من احتمال تعثّر المصارف.
وتأخذ البنوك المركزية على عاتقها تحقيق الاستقرار المالى وسلامة الجهاز المصرفى وضبط سوق الصرف، فالاستقرار المالى هو مدى قدرة النظام المالى على مواجهة الصدمات غير المتوقعة، خاصة فى وقت الأزمات لهذا فتحقيق الاستقرار المالى يظل فى مقدمة أهداف البنوك المركزية والجهات الرقابية فى مختلف دول العالم.
ونتيجة للعولمة وترابط الاقتصادات وتطور أنظمة الدفع التى تتيح انتقال الأموال بسرعة حول العالم، دفع السلطات التشريعية والرقابية فى الدول العربية إلى تحديث القوانين والتشريعات وتفعيل أعمال الرقابة التى تهدف إلى مكافحة غسيل الأموال وأنشطة المنظمات الإرهابية، خاصة فى ظل ظهور ظاهرة «صيرفة الظل» التى بلغ حجمها 67 تريليون دولار خلال الفترة من 2007 إلى 2011 وفقًا لإحصاءات مجلس الاستقرار المالى، وهذا ما دعا صندوق النقد الدولى لإخضاع المؤسسات غير المصرفية لمتطلبات لبازل III.
لهذا أصبح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وصيرفة الظل تمثل أهمية متصاعدة مع اتساع دائرة الإرهاب ومنظماته إقليميًا ودولياً، وبات الالتزام بالنظم الرقابية الدولية والمحلية يشكل رادعًا كبيرًا لأى أعمال غير مشروعة، أو لأى عمليات إجرامية تستهدف تمويل الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، لهذا يجب أن تحظى البنوك المركزية بدعم برلمانى وسياسى وإعلامى لمساندتها فى القيام بهذه المهمة الثقيلة، حتى تستمر فى اتخاذ الإجراءات والقرارات التى تضمن سلامة واستقرار النظام المالى والجهاز المصرفى.