رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسقف مغاغة والعدوة يكتب لـ«الوفد» ردًا على سالم عبدالجليل

كلام «عبدالجليل» يدعو للتعدى على الأرواح والأنفس والممتلكات المسيحية التى حفظها الإسلام

لا يجوز للمسلمين والمسيحيين تكفير بعضهم البعض وإيمان أحدهم بعقيدته ليس كفراً بالآخر

 

أخى فضیلة الشیخ، قبل أن أبدأ فى حدیثى مع فضیلتك، لك منى سلام خاص من القلب، مع كامل احترامى وتقدیرى لشخصك. أما بعد،،

 اسمح لى یا دكتور، بأن أصارحك، بأننى أنا وكثیرين غیرى، داخل مصر وخارجها، سمعنا ورأینا فضیلتك، فى برنامج: «المسلمون یتساءلون» على قناة المحور، فى حلقة یوم الثلاثاء الموافق ٢٠١٧/٥/٩م، وفى برامج أخرى، وقنوات أخرى، تتهم العقیدة المسیحیة بالفساد، والمسیحیین بالكفر والضلال،........ وببئس المصیر لهم فى النار والعذاب الأبدى.

كل هذه تهم وتعدیات خطیرة، وجماعیة للدیانة المسیحیة بأكملها، واتباعها المسیحیین، مع سبق الإصرار والعمد، ولا وجود لها على الإطلاق فى العقائد المسیحیة، لذلك مرفوضة شكلاً وموضوعاً. وتحتسب أمام القانون والدستور المصرى، جرائم، یحاسب علیها القانون مرتكبیها.

 ولم تقتصر خطورة هذه التصریحات الفجة، وهذه الروح الغریبة على مجتمعنا المصرى، على الدیانة المسیحیة واتباعها فحسب، بل تمتد آثارها السلبیة على الدیانة الإسلامية، التى يؤمن بها فضیلته، وعلى جامعة الأزهر الذى درس وتخرج فیها، وعلى وزارة الأوقاف، التى كان یعمل فیها، بصفته وكیلها الأسبق، وعلى الدستور والقانون المصريين، اللذين شرعا حریة المعتقد أى الدیانة، وحریة العبادة، وذلك طبقاً لمیثاق الأمم المتحدة، الذى ینص على حریة الدیانة، وحریة العبادة، وايضاً على حریة ممارسة الشعائر الدینیة، بالإضافة إلى كل هذه الآثار السلبیة التى ذكرناها، من وراء هذه التصریحات المقصودة والمتكررة عدة مرات، الصادرة عن رجل دین، ومسئول فى الدین، إنها تعطى موافقة وتصریحاً موثقاً شرعیاً، للمتشددین والإرهابيين، وذلك فى كل أسالیب وطرق التعدى على العقائد المسیحیة، وعلى المسیحیة كدیانة عموماً، وأيضاً على الرموز الدینیة كقادة، بالإضافة إلى كل ذلك فى التعدى على دور العبادة، أى الكنائس والأديرة، كمقدسات دینیة، وعلى الأقباط وحرماتهم، وأعراضهم وممتلكاتهم.... الخ.

 ومع كل ذلك قد یتصور فضیلة الشیخ وأمثاله، أن فتاویهم وتصریحاتهم، مقصورة فى أضرارها على المقدسات المسیحیة، وعلى الأقباط وحرماتهم وأعراضهم وممتلكاتهم، بل تمتد إلى اهانة سمعة الدولة المصریة داخلیاً وخارجیاً، ما یترتب علیه التأثیر السلبى على الاقتصاد المصرى، وخاصة فى قطاع السیاحة، والاستثمار، مع تعرض السلم الاجتماعى للخطر، والوحدة الوطنیة بین المواطنین، للتكدیر والمخاطر الجمة، التى لا یعرف عقباها.

 وكل هذا یجعلنا أن نضع فضیلته وأمثاله، فى مقارنة مع رجال الدین المعتدلین، الذین یتحدثون عن الله إله جمیع البشر، منذ خلق أبوینا الأولين آدم وحواء، وإلى نهایة الدهور. وأن یقدموا من خبراتهم مع الله، وحیاتهم المعاشة معه، كل ما هو عن الرحمة والمحبة، وقبول الآخرين والبنیان، بغض النظر عن جنسیات الناس، وجنسهم وعرقهم، ودیانتهم ومذاهبهم. لكننا فوجئنا من فضیلتكم، بأسلوب مختلف ومغایر، عن هؤلاء الشیوخ المتصفین بالفضیلة، وذلك فى هجومكم العنیف على عقیدتنا المسیحیة، وعلینا نحن المسیحیین المؤمنين بها أیضاً، وللأسف یا فضیلة الشیخ، لم تكن هذه المرة، هى المرة الأولى، بل سبق لفضیلتكم عدة مرات، فى برامج أخرى، وفى توقیتات مختلفة، هاجمت فیها العقیدة المسیحیة والمسیحیین، فنظراً لتكرار هجومكم على عقیدتنا السمائیة المعطاة لنا من الله، وعلینا كمسیحیین، وكقادة لهذا الإيمان، الذى نومن به، ومسئولین عنه، رأینا من الواجب والضرورة علینا، أمام الله وضمائرنا والتاریخ والوطن، أن نرد على فضیلتكم، فیما اتهمتنا به، ولا جود له على الإطلاق فى عقیدتنا المسیحیة، التى لیست هى ولیدة الیوم أو أمس، بل هى موحاة بها لنا من الله، منذ واحد وعشرین قرناً من الزمان. وإلى سیادتكم، ما ذكره سیادته، والرد علیه : أولاً – من جهة العقیدة المسیحیة: قال فى حدیثه وتصریحاته للقناة، ولغیرها من القنوات، مخاطباً الیهود والنصارى بقوله: «الفكر الذى أنتم علیه، والعقیدة التى أنتم علیها، هى عقیدة فاسدة، وغیر صحیحة، ومخالفة لعقیدته الإسلامية» معللاً ذلك بقوله: «من یقول إن الله ثالث ثلاثة، إن عیسى ابن الله، هى عقیدة فاسدة وغیر صحیحة، ومخالفة لعقیدته».

الجواب: ١ - یفهم من قوله هذا، أننا نومن بالشرك بالله، كما لو كان هناك ثالوث مكون من الله وصاحبة، وابن أنجبه الله من صاحبة!! وهذا كنحو واضح، تتنزه عنه المسیحیة، ولیس ثالوث المسیحیة من هذا النوع الوثنى، كما ورد فى العبادات المصریة القدیمة، فى قصة إیزیس وأوزوریس، وابنهما الإله حورس.

٢ - ان وجدت بدعة من هذا النوع، یحاربها القرآن، فالمسیحیة تحاربها أیضاً، ولا یمكن أن نومن بهذا الكفر. المسیحیة لا تومن بالشرك بالله، وانما تؤمن بالتوحید، ولا تؤمن بثلاثة آلهة، انما تومن بإله واحد، لا شریك له.

٣ - والآيات الدالة على التوحید، فى التوراة والإنجيل، لا تدخل تحت الحصر: ا - منها قوله فى سفر التثنیة لموسى النبى: «اسمع یا إسرائیل، الرب إلهنا رب واحد» تثنیة 6: 4 (وورد أیضاً فى سفر أیوب الصدیق، ما یشیر لهذه الوحدانیة من قوله: «أو لیس صانعى فى البطن صانعه، وقد صورنا واحد فى الرحم» أیوب١٥:٣١.

ب - من جانب آخر أشار الإنجيل ورسائل الآباء الرسل، إلى وحدانیة الله، فى عدة مواضع من العهد الجدید، منها ما جاء فى تعالیم السید المسیح عن الوحدانیة فقال: «لیس أحد صالحاً، إلا واحد وهو الله» متى١٧:١٩.

جـ - وفى موضع آخر من العهد الجدید، یؤكد القدیس یعقوب الرسول، على وحدانیة الله، التى يؤمن بها حتى الشیاطین، ولیس البشر فقط: «أنت تؤمن أن الله واحد، حسناً تفعل، والشیاطین يؤمنون ویقشعرون» یعقوب 2 : 19.

د - ویؤكد الكتاب المقدس، فى الرسالة الأولى لمعلمنا بولس الرسول، إلى أهل كورنثوس على أنه لا یوجد آلهة، إلا اله واحد: «لیس إله اخر، إلا واحداً» الرسالة الأولى لأهل كورنثوس ٨ : ٤ (كل هذه الآيات تدل على وحدانیة الله، التى تؤمن بها الیهودیة والمسیحیة.

٤ - وكون القرآن یقول فى: سورة النساء : ١٧١  «ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خیراً لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن یكون له ولد».

 فإن المسیحیة تقول مثل هذا أیضاً، وانها ترفض التعدد والشرك بالله، وتستنكر أن یكون لله ولد من صاحبة بتناسل جسدى!

٥- ومع ذلك قیل فى: «سورة المائدة:٧٣». «لقد كفر الذین قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد».

 فالمسیحیة تقول هكذا أیضاً، لیس الله واحداً من ثلاثة آلهة، لأنه لا یوجد سوى اله واحد، لا شریك له. إن الإسلام فى كل هذه الآيات، انما یحارب بدعة، تحاربها المسیحیة أیضاً، وهى لیست من المسیحیة فى شيء.

٦ - أما ثالوث المسیحیة، فغیر هذا كله، نقول فیه: «باسم الآب والأبن والروح القدس، الإله واحد امین» «متى١٩:٢٨». ولم نقل عمدوهم بأسماء، بل باسم ویعنى الله واحد:

أ - وفى الرسالة الأولى لمعلمنا القدیس یوحنا اللاهوتى، یؤكد على أن الثلاثة هم اله واحد: «الذین یشهدون فى السماء، هم ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد» الرسالة الأولى للقدیس یوحنا الرسول «٧ : ٥».

ب- فالله هو جوهر إلهى واحد، أو ذات إلهیة واحدة، له عقل، وله روح، والثلاثة هم واحد. كالنار لها ذات هى النار، وتتولد منها حرارة، وینبثق منها نور، والنار بنورها وحرارتها، شىء واحد. وكالإنسان ذاته وعقله وروحه، كیان واحد.

جـ - والبنوة فى اللاهوت، هى كبنوة الفكر من العقل، والعقل یلد فكراً، ولیس له صاحبة.

د - فالمسیحیة إذاً لیست دیانة فاسدة، أو غیر صحیحة، كما یدعى فضیلته، بل هى دیانة سمائیة، صالحة وصحیحة، لأن فى مقدمة عقائدها، عقیدة الإيمان بوحدانیة الله، التى تؤمن بها، وتكرز بها للناس، منذ واحد وعشرین قرناً من الزمان، خاصة أن قانون الإيمان المسیحى، الذى يؤمن به جمیع المسیحیین، فى العالم كله، ویصلونه عدة مرات كل یوم، یبدأ بعبارة : «بالحقیقة نؤمن بإله واحد».

 ٧ - لذلك القرآن یأمر المسلمین، بعدم مجادلة المسیحیین، لأنهم أهل كتاب، إلا بالتى هى أحسن، ویقر بدیانتهم، وأنهم أهل توحید، كما هو فى الإسلام. وهذا هو قوله: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن....... وقولوا آمنا بالذى أنزل إلینا، وأنزل الیكم والهنا وإلهكم واحد.....» سورة العنكبوت : ٤٦.

٨ - ولكون الدیانة المسیحیة، دیانة صالحة ولیست فاسدة، وصحیحة ولیست خاطئة، یدعو القرآن أتباعها بأهل الكتاب، المؤمنين بالله والیوم الآخر، ویقدمون العبادة له، ویعملون الخیر، وینهون عن المنكر، ومن الصالحین.

ویتضح لنا هذا كله من قوله: «من أهل الكتاب أمة قائمة یتلون آیات الله آناء اللیل وهم یسجدون، يؤمنون بالله والیوم الآخر ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنكر، ویسارعون فى الخیرات وأولئك من الصالحین» سورة آل عمران: ١١٣– ١١٤.

وفى سورة القصص، یشهد القرآن لنا كمسیحیین، بأننا أهل كتاب، ومومنون بالله: «الذین آتیناهم الكتاب من قبله، هم به يؤمنون» سورة القصص: ٥٢.

ولم یكتِف القرآن، بأن یصفنأ بأننا أهل كتاب، ومؤمنون بالله، بل أمرنا بتقوى الله كالمسلمین، وإلیك شهاداته: «ولقد وصینا الذین أوتوا الكتاب من قبلكم وإیاكم أن اتقوا الله» سورة النساء: ١٣١.

فواضح من شهادة القرآن، فى كل هذه الآيات، أننا أهل كتاب، ومؤمنون بالله والیوم الآخر، نقدم العبادة له، ونعمل الخیر، وننهى عن المنكر، ومن الصالحین. إذاً الدیانة المسیحیة، دیانة صالحة وصحیحة، بكل ما أتت به من عقائد إیمانیة، ولها تأثیرها الإیجابى، فى حیاة المؤمنين بها، كما هو واضح من شهادات القرآن الكریم لذلك.

 ٩ - ونظراً لأن القرآن، شهد للمسیحیین بأنهم أهل كتاب، فوضعهم فى مركز الإفتاء فى الدین، فقال: «فإن كنت فى شك مما أنزلنا إلیك، فاسأل الذین یقرؤون الكتاب من قبلك» سورة یونس: 94.

وفى موضع آخر من القرآن، یشهد لهذه الحقیقة: «وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحى الیهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» سورة الأنبياء: ٧.

١٠ - من جانب آخر یشهد القرآن للمسیح، بأنه أنزل علیه الإنجيل، وله الدیانة المسیحیة، التى تأثیرها واضح على حیاة المؤمنين به، لذلك أصبح فى قلوبهم الرأفة والرحمة: «وقفینا بعیسى ابن مریم، واتیناه الإنجيل، وجعلنا فى قلوب الذین اتبعوه، رأفة ورحمة» سورة الحدید: ٢٧».

١١ - وفى سورة المائدة، یشیر القرآن، إلى أربع فئات من الناس، فیذكر المسلمین، ویسمیهم المؤمنين، والیهود، والمشركین، والنصارى، فیصف علاقة الیهود والمشركین بالمسلمین، بأنها أشد عداوة، أما عن علاقة المسیحیین أى النصارى بالمسلمین، فیصفها بأنها أكثر مودة: «لتجدن اشد الناس عداوة للذین آمنوا الیهود، والذین أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذین آمنوا الذین قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسیسین ورهباناً، وانهم لا یستكبرون» سورة المائدة: 82.

١٢- ان التمییز والفصل بین النصارى والمشركین، أمر واضح جداً، فى القرآن، ولا یقتصر على النص السابق بل یذكر: «ان الذین آمنوا، والذین هادوا والصابئین، والنصارى والمجوس والذین أشركوا إن الله یفصل بینهم یوم القیامة إن الله على كل شىء شهید» سورة الحج :١٧.

١٣ - سؤال وهو: هل بعد كل هذه الأدلة القرآنیة والبراهین، التى تشیر وتؤكد، على صحة معتقدات الدیانة المسیحیة، یدعى فضیلة الشیخ، أنها دیانة فاسدة، وغیر صحیحة، وتتعارض مع الإسلام؟!.

الجواب: أ - لا یجب أن یستمر فضیلته وأمثاله، بالهجوم على العقیدة المسیحیة، واتهامهم إیاها بالفساد وعدم الصلاحیة، لأن هناك أدلة وبراهین قرآنية تشهد لها ولصحة وصلاحیة معتقداتها الإيمانیة.

 ب - كما أن تعالیم المسیحیة، التى أعطاها الله لنا، ومسجلة فى الكتاب المقدس بعهدیه، تشهد على أن المسیحیة دیانة سماویة، مقدسة صالحة وصحیحة، تدعو الناس وتقودهم إلى الإيمان بالله الواحد، وإلى عبادته الحقیقیة لا الشكلیة، وذلك بواسطة الإيمان به، والتوبة والرجوع إلیه، وبتطبیق وصایاه الإلهیة فى حیاتهم، مع تقدیم صلواتهم وأصوامهم، وفعل الخیر للجمیع، ومع الجمیع، ما دام فى الإمكان.

 جـ - كما أن من ثمار المسیحیة فى حیاتنا، هى قبول الآخرين، واحترامهم، بغض النظر عن جنسیاتهم وجنسهم وعرقهم، ودیاناتهم ومذاهبهم، ولا تسمح لنا بالتعدى على معتقدات الآخرين، أو على حریاتهم وحرماتهم وأعراضهم وممتلكاتهم..... الخ. بل تأمرنا بتقدیم كل محبة وخیر، وتقدیر وإخاء لهم، على الدوام.

د - مع التمسك بالمعتقدات الإيمانیة المشتركة بیننا، وما أكثرها، وهى التى تجمعنا ولا تفرقنا، وتوحدنا ولا تفرقنا أو تقسمنا، مثال الاتفاق على وحدانیة الله وصفاته وأعماله الإلهیة – خلق الخلیقة – الحریة وأنواعها ومفاهیمها. المعتقدات الإيمانیة لدینا جمیعاً مثال: الخیر والشر، الفضیلة والرذیلة، الخطیة والتوبة، الثواب والعقاب، أدوار الدین الإيجابية لا السلبیة، البناءة لا الهدامة، السمو والرقى بالبشریة، لا إلى تخلفها وانحدارها، من أبسط القواعد الإنسانية الخلاقة المتنوعة – الحیاة والموت بكل أنواعهما، القیامة العامة لجمیع البشر فى أواخر الأيام، الدینونة، المصیر الأبدى للناس بعد الدینونة.

 فالتمسك بكل هذه المعتقدات الإيمانیة وأمثالها، التى نؤمن بها جمیعاً، هى واجبة علینا جمیعاً، لأنها تعمل على وحدتنا، وبناء أوطاننا، واستمراریة محبتنا وأخوتنا بعضنا لبعض.

ه - أما عن الجوانب الإيمانیة العقائدیة، التى نختلف حولها، فلیتمسك، ویحافظ كل واحد منا علیها، ویحترم كل طرف الآخر من جهة معتقده.

وهذا الاختلاف لا یبرر ولا یعطى لطرف، الحق فى مهاجمة معتقدات الطرف الآخر.

 ولا ننصب أنفسنا حكاماً بدلاً من الله، فى الحكم على معتقدات الناس، على أنها سمائیة أو أرضیة، صالحة أو فاسدة، صحیحة أو باطلة. فلنترك یا إخوتى، الحكم على معتقداتنا الإيمانیة لله وحده، لأنه هو الوحید الذى له حق الفصل فیها، ولا أحد سواه!! ثانیاً - یتهمنا الدكتور سالم، بالكفر والظلم والضلال: جاء فى تصریحاته قوله: «من امنوا، وبعده كفروا، ثم ازدادوا كفراً، واستمروا فى الكفر، هؤلاء لم یفكروا فى التوبة.. ولن یتعرضوا لرحمة الله، لأنهم لم یعملوا بالشروط الواجبة للتوبة».

 ویكمل سیادته فى حدیثه، ویعلن بأن: «الكفرة، هم الیهود والنصارى. وأن الشیوخ القائلین للمسیحیین والیهود إنهم مومنون، ضللوهم ولم یخدموهم»..

 الرد على كل هذه الاتهامات، الموجهة ضدنا، والتى لا صحة لها على الإطلاق، ومرفوضة شكلاً وموضوعاً!!

١ - سؤال: ما هو مفهوم الكفر فى المسیحیة ؟! الجواب:

 أ - مفهوم الكفر فى المسیحیة، هو عمل موجه ضد الإيمان، لأنه كفر بالله. والكفر هو أیضاً ضد الشكر أى جحود النعمة. فالكافر هو من ینكر وجود الله، وینكر أن یكون الله أصلاً للوجود، وخالقاً للعالم. وهو أیضاً من ینكر نعم الله على البشر، سواء خیراته اللازمة لأجسادهم من أجل حیاتهم الزمنیة، أو اللازمة لأرواحهم من أجل حیاتهم الأبدیة.

ب - ونحن المسیحیین، نؤمن بأن الله خالقنا: «یارب أنت أبونا، نحن الطین، وانت جابلنا، وكلنا عمل یدیك» أشعیاء 64 :8، وانه خالق السموات والأرض: «أقول یا الهى...... من قدم، أسست الأرض والسموات، هى عمل یدیك». مزمور 102 :24- 25، وان كل ما نتمتٍع به من خیرات أرضیة، هى من عنده: «أبوكم الذى فى السموات، یهب خیرات للذین یسألونه» متى 11- 7، كما أنه قدم لنا عطایا روحیة فائقة، لأجل حیاتنا الأبدية: «مبارك الله..... الذى باركنا بكل بركة روحیة فى السماویات، فى المسیح» أفسس 1 :3  وفى هذه العطایا الروحیة، ظهرت لنا محبته الحقیقیة، التى میزنا بها عن كل الخلائق.

 جـ - فإن كان هذا هو إیماننا بالله، واعترافنا به، بأنه خالقنا، ورازقنا بخیرات الدنیا والآخرة، فنحن إذاً لسنا كفرة. وكونك تدعونا كفرة، لأننا مختلفون عنك فى دینك، فهل تقبل أن ندعوك، أنت كافراً، لأنك مختلف عنا فى دینك؟! وان كان الجواب لا، فلماذا تكفرنا؟! وهل من الحكمة، أن یتبادل الناس اتهام بعضهم البعض بالكفر، بسبب اختلافهم فى عقائدهم؟!

 د - إن التعبیر العاقل الذى یقال: إننا مختلفان فى الدین، ولسنا كافرین. ولیت كل واحد منا، یحترم دیانة وعقیدة الآخر، ونبعد عن الحقد والضغینة، التى تهدم المجتمع ولا تبنیه، وتفرق أبناء الوطن الواحد ولا تجمعهم، وتقسمهم ولا توحدهم، وتضعفهم ولا تقویهم.

٢ - ولنرجع إلى تصریحات فضیلته التى جاء فیها: «من امنوا وبعده كفروا، ثم ازدادوا كفراً، واستمروا فى الكفر». ویكمل فضیلته تصریحاته ویعلن أن: «الكفرة هم الیهود والنصارى، وان الشیوخ القائلین للمسیحیین والیهود إنهم مؤمنون، ضللوهم، ولم یخدموهم».

الجواب: لادعاء فضیلته هذا، مفهومان وهما:

أ- المفهوم الأول، وقدُ یفَهم منه، بأن كل من آمن من الیهود بالیهودیة، والمسیحیین بالمسیحیة، مطالب بأن يؤمن بالإسلام. وكیف یعقل هذا؟! لأن القرآن أقر بأن الیهودیة دیانة سمائیة، والمسیحیة أیضاً دیانة سمائیة، وكل من اتبعهما بأنهم أهل كتاب، ولهم عقائدهم الإيمانیة، ویعملون الخیر، وینهون عن المنكر، ويؤمنون بالله والیوم الآخر، ولا خوف علیهم

ولا هم یحزنون.

 فهل الله بعد أن یعطى دیانة ویشرعها، یقوم بإلغائها بعد ذلك؟! هذا غیر منطقى وغیر معقول. والدلیل أن الیهود، باقون كیهود، يؤمنون بدیانتهم، وكذلك المسیحیون، باقون كمسیحیین يؤمنون بدیانتهم.

ب – والمفهوم الثانى یفهم منه بأننا كمسیحیین ومعنا الیهود، بأننا آمنا بالإسلام كدین، وكفرنا به، ثم آمنا بالمسیحیة، والیهود آمنوا بالیهودیة، وباستمرار كل واحد منا، فى دیانته المسیحیة والیهودیة، ازددنا كفراً بالإسلام، واستمررنا فى الكفر، وذلك بعدم رجوعنا إلى الإسلام من المسیحیة

والیهودیة. فى الحقیقة هذا المفهوم، هو مفهوم خاطئ وغیر صحیح، لأن الدیانة الیهودیة كدیانة، كانت تسبق الدیانة الإسلامية، بفترات زمنیة كبیرة، وذلك بدءاً من إبراهیم أب الآباء، ثم اسحق، ثم یعقوب أى إسرائیل. وكذلك الدیانة المسیحیة كدیانة، كانت تسبق الدیانة الإسلامية، بأكثر من نصف قرن من الزمان، وذلك بدءاً من ميلاد السید المسیح، فى بیت لحم الیهودیة.

 فكیف یقال عن الیهود والمسیحیین، إنهم آمنوا بالإسلام ثم كفروا به، وارتدوا عنه، وآمنوا بالیهودیة والمسیحیة، فازدادوا كفراً، واستمروا فى الكفر، وذلك لعدم إنكارهم دیاناتهم، ورجوعهم للإسلام.

 هذا المفهوم تاریخیاً خطأ، ومنطقیاً أیضاً خطأ، لأن الیهود والمسیحیین، من وقت أن آمنوا بدیانتهما، منذ أجدادهم، وهم كما هم، متمسك كل منهما بدیانته، باستثناء من آمنوا بالمسیحیة من الیهود والأمم، أو من ارتدوا عن الیهودیة والمسیحیة، وآمنوا بالإسلام، بالإضافة إلى الذین

دخلوا إلیه من الوثنیین. ٣ - شهادة القرآن للمسیحیین، بأنهم مؤمنون بالله وأهل كتاب، ولیسوا كفاراً :

ا - لذلك ذكر لنا القرآن، فریقین من الناس وهما : الفریق الأول، وهم المؤمنون بالمسیح، والفریق الثانى، هم غیر المؤمنين به، ودعاهم بالكفار. وفصل بینهما بأمرین، وهما : الأمر الأول هو طهارة المسیح، من الكفار. والأمر الثانى، هو رفعة المسیحیین على الكفار، إلى یوم القیامة.

 وهذا واضح، من شهاداته، فى سورة آل عمران: «إذ قال الله یا عیسى، إنى متوفیك ورافعك إلىّ، ومطهرك من الذین كفروا، وجاعل الذین اتبعوك، فوق الذین كفروا، إلى یوم القیامة» سورة آل عمران : ٥٥.

ب - وفى جانب آخر، أقر القرآن بحقیقة تعالیم المسیحیة، وحض على عدم مجادلته، إلا بالتى هى أحسن، مع التأكید على وحدانیة الله فى المسیحیة والإسلام، وأن أتباعهما لیسوا من الكفار.

 فقد جاء فى سورة العنكبوت: «ولا تجادلوا أهل الكتاب، إلا بالتى هى أحسن.....وقالوا آمنا بالذى أنزل إلینا، وأنزل إلیكم، وآلهنا وآلهكم واحد» سورة العنكبوت: ٤٦.

 وفى سورة آل عمران، یؤكد على ما سبق، فى قوله: «قل آمنا بالله، وما أنزل علینا، وما  أنزل على إبراهیم  وإسماعیل، واسحق ویعقوب والأسباط، وما أوتى موسى وعیسى، والنبیون من ربهم، لا نفرق بین أحد منهم» سورة آل عمران:٨٤.

جـ - وهناك حكمان یختص بهما أهل الكتاب فى القرآن، وهما أكل طعامهم، وزواج بناتهم.

-٦-

لقد ذكر القرآن الكریم، حكمین یختص بهما أهل الكتاب، دون سائر الأمم والملل، یتضح به مدى عنایة الإسلام الخاصة لهما، وهما كما یلى:

 ففى الحكم الأول، قد رسم القرآن توجیهات عدیدة، فى شأن الذبائح فقال : «ولا تأكلوا مما لم یذكر اسم الله علیه، وإنه لفسق» سورة الأنعام: ١٢١، فلا یحل لمسلم أن یأكل ما ذبحه الكافر والمشرك، فإنه میتة.

ولكن القرآن جعل أهل الكتاب بمثابة أهل الإسلام فى ذبائحهم وقال: «وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم» سورةالمائدة:٥.

 وفى الحكم الثانى، الذى یتعلق بالزواج بالكتابیات، فإن القرآن قد حرم زواج المسلمین بالكافرات والمشركات، وقال : «لا تنكحوا المشركات، حتى یؤمن» سورة البقرة : ٢٢١ (.

ولكنه أباح الزواج بالكتابیات، فقال جل وعال : «والمحصنات من الذین أوتوا الكتاب، من قبلكم» سورة المائدة : ٥.

 «والسبب فى إباحة الزواج بالكتابیة، بعكس الكافرة أو المشركة، هو أنها تلتقى مع المسلم، فى الإيمان ببعض المبادي الأساسية، من الاعتراف بالله، والإيمان بالرسل، وبالیوم الآخر، وما فیه من حساب وعقاب، فوجود نواحي الالتقاء، وجسور الاتصال على هذه الأسس، یضمن توفیر حیاة زوجیة مستقیمة غالباً، ویرجى إسلامها، لأنها تؤمن بكتب الأنبياء والرسل فى الجملة، والحكم فى أن المسلم یتزوج بالیهودیة والنصرانیة، دون العكس، هى أن المسلم یؤمن بكل الرسل والأدیان فى أصولها الصحیحة، فالخطر منه على الزوجة فى عقیدتها أو مشاعرها، أما غیر المسلم، الذى لا يؤمن بالإسلام، فیكون هناك خطر محقق یحمل زوجته على التأثر بدینه، والمرأة عادة سریعه التأثر والانقیاد، وفى زواجها إیذاء لشعورها وعقیدتها» الفقه الإسلامى وأدلته:

١٥٩/ ٨ (. د - كذلك لو كان أهل الكتاب كفرة أو مشركین، لما أوصى النبى بقبط مصر النصارى:

«استوصوا بالقبط خیراً، فإن لهم ذمة ورحماً» الدكتورة عائشة عبد الرحمن – نساء النبى – طبعه دار المعارف ١٩٧٩ – ص ٢٣٦.

٤ - عقیدة القرآن فى المسیح: ا - وفى مقدمتها أسماء المسیح ومعانیها: یسمیه القرآن (عیسى)، وهذا الاسم یقرب من الكلمة الیونانیة ) ایسوس، أما اسم المسیح

فى العبریة فهو یسوع، ومعناه) مخلص (مع أن القرآن ذكر اسم المسیح، إحدى عشرة مرة، ولم یطلق هذا اللقب على غیره. فللمسیح إذاً ثلاثة أسماء، تأتى مجتمعة أو منفردة: المسیح فقط - والمسیح بن مریم -

والمسیح عیسى بن مریم  بهذه الأسماء یعرفه القرآن فى: سورة النساء ١٧٠. وبهذه الأسماء مجتمعة، بشر به الملائكة أمه.  آل عمران ٤٥ . فاسم المسیح یرد فى القرآن إحدى عشرة مرة على ثالثة طرق: تارة باسم المسیح فقط

 النساء ١٧١، والمائدة ٧٥، والتوبة ٣١، وتارة باسم المسیح بن مریم المائدة ١٧ مرتین، ٧٢، ٧٥، والتوبة ٣١. أخیراً باسم المسیح عیسى بن مریم. آل عمران ٤٥ – والنساء ١٥٧، ١٧١، ورد هذا فى كتاب المعجم المفهرس ألفاظ القرآن الكریم، تألیف الأستاذ / محمد فواد عبد الباقى، تحت عنوان اسم المسیح. إنه ورد فى القرآن الكریم إحدى عشرة مرة، حسب السور المذكورة بأعماله.

ب - اسم المسیح هذا، كان موضع دراسة لكبار المفسرین فى الإسلام، وقیل فى ذلك، إنه ليُس ِمسیحياً:

 «لأنه ممسوح من الأوزار والآثام». وأورد الإمام الفخر الرازى، حدیثاً شریفاً، قال فیه روایة: «سمعت الرسول یقول : «ما من مولود من آدم، إلا نخسه الشیطان، حین یولد، فیستهل صارخاً من نخسه إیاه، إلا مریم وابنها». وكل هذا، وما سیأتى، یدل على المركز الرفیع الذى تمتع به المسیح فى القرآن، وفى كتب المفسرین، وهو مركز تمیز به عن سائر البشر.

جـ - ومن ذلك، أنه دعى كلمة الله وروح منه: وقد تكرر هذا اللقب، فورد فى: «سورة آل عمران» ٤٥، إذ قالت الملائكة یا مریم إن الله یبشرك بكلمة منه، اسمه المسیح عیسى ابن مریم، وجیهاً فى الدنیا والآخرة ومن المقربین». وورد فى: سورة النساء: ١٧١ «إنما المسیح عیسى ابن مریم، رسول الله وكلمته، ألقاها إلى مریم، وروح منه».

 وقد أثارت عبارة : «كلمه الله» تعلیقات لاهوتیة كثیرة، لا داعى للخوض فیها الآن، وبخاصة لأن تسمیة المسیح بكلمة الله، یطابق الآیة الأولى، من الإنجيل لیوحنا الرسول، وكذلك لأن عبارة :أ «الكلمة» وأصلها فى الیونانیة : «اللوجوس»، لها فى الفلسفة وفى علوم اللاهوت، معانٍ معینة، غیر معناها الذى فى القاموس. وبنفس الوضع عبارة: «روح منه» التى حار فى معناها، كبار الأئمة والمفسرین وأياً كانت النتیجة، فإن هذین اللقبین، یدلان على مركز رفیع للمسیح فى القرآن، لم یتمتع به غیره. د - والدته المعجزیة من عذراء: لم یقتصر الأمر على جوهره أو طبیعته، من حیث هو: كلمة الله وروح منه، ألقاها إلى مریم»، وهذا وصف، لم یوصف به أحد من البشر، وإنما الطریقة التى ولد بها، والتى شرحها القرآن فى سورة مریم، كانت طریقة عجیبة معجزیة، لم یولد بها أحد غیره من امرأة. زادها غرابة أنه یكلم الله الناس فى المهد سورة آل عمران: ٤٦.

الأمر الذى لم یحدث لأحد من قبل ولا من بعد.... أترك هذا العجب، لتأمل القارئ لتسبح فیه روحه.

ه - وأنتقل لنقطة أخرى وهى، معجزات المسیح العجیبة: وأخص منها مما ورد فى القرآن – غیر إبراء الأكمه، والأبرص، وإحیاء الموتى – معجزتین فوق طاقة البشر جمیعاً، لم یقم بمثلها أحد من الأنبياء، وهما: القدرة على الخلق، وعلى معرفة الغیب.

 وفى ذلك یقول القرآن، على لسان المسیح: «إنى أخلق لكم من الطین كهیئة الطیر، فأنفخ فیه فیكون طیراً، بإذن الله...... وأنبئكم بما تأكلون، وما تدخرون فى بیوتكم، وإن فى ذلك آیة لكم، إن كنتم مؤمنین» سوره آل عمران:٤٩.هنا ویقف العقل، لكى تتأمل الروح– لماذا یختص المسیح بهذه المعجزات، التى لم یعملها أحد، والتى هى عمل الله ذاته: والخلق ومعرفة الغیب!!. و - موته ورفعه إلى السماء: وقد ورد فى ذلك: «إذ قال الله یا عیسى، إنى متوفیك ورافعك غلي، ومطهرك من الذین كفروا، وجاعل الذین اتبعوك، فوق الذین كفروا غلى یوم القیامة» سورة آل عمران : ٥٥ . والمسیحیة تؤمن بموت المسیح وصعوده إلى السماء. ولكن القرآن لمُ یَبین، كیف رفع المسیح.

ومتى حدث ذلك، وبقى الأمر عجیباً... إلخ.

ز - صفات المسیح الأخرى، الوجاهة فى الدنیا والآخرة: من الصفات التى ذكرها القرآن عن المسیح أنه: «وجیهاً فى الدنیا والآخرة». وقد شرح أئمة المفسرین معنى هذا الوصف باستفاضة، وخرجوا منه بعلو مركز المسیح، علواً عجیباً، وبأن فى الآخرة، تكون له شفاعة فى الناس. كل هذه الأدلة التى قدمناها ببراهین عدیدة، من التوراة والإنجيل والقرآن، ترد على هذه الاتهامات وأمثالها، التي لا صحة لها على الإطلاق، وتثبت صدق وصحة وسلامة رسالة المسیح، والمسیحیة، والمسیحیین.

٥ - ونرجع لما قاله، الدكتور سالم عن أن المسیحیین: «لن یتعرضوا لرحمة الله، لأنهم لم یعملوا بالشروط الواجبة للتوبة».

 سؤال للدكتور سالم وهو: هل أنت الله، كل العلم والمعرفة والفحص، وتعرف جمیع الناس بمن فیهم المسیحیون، بدءاً من أبینا آدم وأمنا حواء، حتى آخر غنسان یولد على وجه الأرض، وتعرف أیضا أفعالهم البارة والشریرة، والتائبین منهم وغیر التائبین؟!

الجواب : ا - هو بالطبع سیادتك وفضیلتك، إنسان ولیس الله. إذاً لا تعرف جمیع البشر بمن فیهم المسیحیون،ولا تعرف أیضاً َمن ِمن الناس أفعالهم البارة أو الشریرة، والتائبین منهم أو غیر التائبین!! ب - إذاً یا أخى فضیلة الشیخ، أقمت نفسك إلهاً من دون الله، ونصبت ذاتك حكماً وخصماً على الناس وعلى أفعالهم، دون وجه حق، بالرغم من أنك إنسان، فلا یصح أن تتكلم مع الناس، كأنك إله ولیس إنساناً، وتحكم علیهم هكذا. لأن الوضع الصحیح الذى نومن، به جمیعاً، أن الله هو الله، ولا بدیل عنه إطلاقاً من الملائكة والبشر، فى الألوهیة والربوبیة والدینونة یوم الدین. جـ - إذاً یا أخى فضیلة الشیخ، كان حكمك علینا كمسیحیین، حكما ظالماً وخاطئاً، ودون وجه حق، واحتسب علیك خطأ وتعدیاً أمام الله، وأمام القانون. د - ومع ذلك، الشروط الواجبة لقبول التوبة عند الله، تؤمن بها المسیحیة، وموجودة فى تعالیمها، ومطالب بها كل من يؤمن بها، وهى : مثال الإيمان بالله– والرجوع إلیه عن الخطیة والشر، وذلك بواسطة التوبة والإقرار بالخطأ – تطبیق الوصایا الإلهیة – تقدیم العبادة الحقیقیة، بواسطة الصلاة والصوم وعمل الخیر... إلخ. ومن لا یطبق هذه الشروط الواجبة لقبول توبته أمام الله، فلا تقبل منه، ولا تعترف المسیحیة بتوبته، لأنه بالرغم من أن التوبة الحقیقیة، هى عمل یقوم به الإنسان بینه وبین ربه، إلا أن سلوك وافعال الإنسان، هى الحكم والفاصل على توبة الإنسان أو عدم توبته، وقبول توبته، أو عدم قبولها لدى الله.

ثالثاً – الحكم علینا جمیعاً بالهلاك والعذاب الأبدى، فى النار الأبدية: وهذا یتضح من تصریحات سیادته: «عند الحشرجة والسكرات، لا یجدن سیدنا عیسى لینقذهم، بل یجدن ملائكة العذاب، والموت تقبض على أرواحهم». الرد: ا - فى الحقیقة والواقع، أن هذا الحكم الجماعى علینا كمسیحیین، بالهلاك والعذاب الأبدى، فى النار الأبدية، هو حكم جائر، یستند فیه صاحبه على أننا كفرة ومشركون، وقمنا سابقاً بالرد على هذین الاتهامین، ونرفضهما شكلاً وموضوعاً، لأن المسیحیة تؤمن بالتوحید، وكرزت وعلمت وإلى الآن تعلم، بأن الله واحد، ولا شریك له على الإطلاق، فى الألوهیة والربوبیة والسلطان، قبل أن یأتى الإسلام، وینادى بوحدانیة الله.

ب - ومع ذلك یشهد القرآن على عكس ما یقوله فضیلة الشیخ، ویؤكد على ما قلناه نحن. فیذكر أن من يؤمن بالله والیوم الآخر، فى كل من المسلمین، والیهود، والنصارى أى المسیحیین، والصابئین، ویعمل عملاً صالحاً، فله أجره عند ربه، ولا خوف علیه ولا حزن.

والیك ما جاء فى سورة البقرة قوله : «إن الذین آمنوا «المسلمین» والذین هادوا (الیهود)، والنصارى ( المسیحیین)  والصابئین، من آمن بالله والیوم الآخر، وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف علیهم، ولاهم یحزنون» سورةالبقرة:٦٢ ونفس هذه الآية تكررت فى «سورة المائدة : ٦٩».

 فواضح من هاتین الآیتین، اللتین وردتا بالقرآن، بأنه لا هلاك ولا عذاب فى النار الأبدية، لكل من يؤمن بالله والیوم الآخر، وعمل صالحاً، فله أجره عند ربه، ولا خوف علیه ولا حزن.

جـ - وفى موضع آخر، ذكر القرآن فى سورة الحج، ست فئات من الناس وهم  المؤمنون أى المسلمین، والذین هادوا أى الیهود، والصابئون، والنصارى أى المسیحیون، والمجوس، والذین أشركوا، وفى نفس الوقت قالت الآیة، إن الله یفصل بینهم یوم القیامة. إذاً كون القرآن یذكر فئة المسیحیین، وفئة المشركین، إذاً كل منهما، فئة غیر الأخرى، ولم یكن الاثنان فئة واحدة، بل فئتان، ویفصل الله بینهما یوم القیامة.

 وإلیك هذه الآیة وما جاء بها: «إن الذین آمنوا، والذین هادوا، والصابئین، والنصارى، والمجوس، والذین أشركوا، إن الله یفصل بینهم یوم القیامة، إن الله على كل شىء شهید» سورة الحج :١٧.

 بالتالى الهلاك والعذاب الأبدى فى النار الأبدية، مرتبط بالشرك بالله وبالمشركین، ولیس مرتبطاً بالمسیحیین المؤمنين، بوحدانیته ومخافته وتقواه.

 ختاماً لحدیثنا المطول هذا، أتركك یا أخى فضیلة الشیخ لرعایة الله، المعتنى بكل خلیقته. د - ونظراً لمحبة وتمسك كل واحد منا بمعتقداته الإيمانیة، وهذه من حقه، فعلینا أن نتمسك بالعقائد الإيمانیة المشتركة بیننا، والتى ذكرناها فى بدایة حدیثنا. ه - أما عن الجوانب الإيمانیة التى نختلف حولها، فلا یعنى أن أحداً منا كافر، لأن كل منا مؤمن

بعقیدته التى یختلف فیها مع الآخر، ولا یجوز لأحدنا أن یكفر الطرف الآخر، لسبب اختلافه معه فى العقیدة، ولنترك لله الحكم والفصل، فیما نختلف فیه من عقائد.

ز - لأن الذى یجمعنا حول عقائدنا، وإنسانیتنا ووطننا مصر، وحقوقنا وواجباتنا، ما أكثره، وقد لا یدخل تحت حصر، وهذا هو الذى یقوى روابطنا الروحیة مع الله، ومع بعضنا البعض، ویبني وطننا، ولا یعرض السلم الاجتماعى والوحدة الوطنیة للخطر.

حفظ الله مصر والمصریین، من كل شر ومكروه.