رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

للتنمية المستدامة فى مصر فى عالم تتجه فيه الولايات المتحدة الأمريكية إلى التخلى جزئياً عن الليبرالية الرأسمالية وتعود تدريجياً إلى السياسات الحمائية مع السياسة الترمبية فى الوقت الذى تصبح فيه الصين المدافع الأول عن حرية التجارة العالمية بفضل سياستها النقدية بينما الدب الروسى لا يعير اهتماماً بجيرانه الأوروبيين بل ويسعى لمضايقتهم فى حين تدير المملكة المتحدة ظهرها للاتحاد الأوروبى.. تأتى فرنسا بمفاجأة «ماكرون»... الرئيس الجديد الذى يدعو إلى الشعبوية الليبرالية، التى تتمثل فى ريادة قطاع الأعمال وتحرير القطاع الخاص والانفتاح على العالم مع تعضيد دور الاتحاد الأوروبى ومع ذلك أعتقد أنه لا يمكن الحديث عن ظاهرة «ماكرون» كما تحدثنا من قبل عن ظاهرة «ترامب»، لأن كل ما حدث فى الانتخابات الفرنسية، الذى أدى لفوز «ماكرون»، ليس بناء على تأييد كبير له، ولكن هو أن المنافس الذى كان أمامه أفسح المجال لذلك، بمعنى أنه إذا لم يواجه «فرانسوا فيون» عدداً من الفضائح خلال حملته الانتخابية، كان سيصعد للجولة النهائية مع «ماكرون»، وإذا كان الحزب الاشتراكى قد أعطى أصواته للمرشح «لوك ميلانشون» كان يمكن أن يصل للجولة النهائية أيضا، إلا أن كل هذه الظروف ساعدت «ماكرون» للوصول -ببساطة- إلى نهاية الانتخابات.

فى رأيى أن أكثر المخاوف من سياسة «ماكرون» هو الجانب الاقتصادى الذى تعهد به فى برنامجه الانتخابى، خاصة أنه تعهد بحزمة من الإجراءات قد لا يستطع «ماكرون» تنفيذها، حيث وعد بزيادة الاستثمارات إلى 50 مليار يورو، ومنح إعانة بطالة لكل العاملين فى الدولة بغض النظر عن ظروفهم، وتخفيض الضرائب على الشركات من 33% إلى 25%، علاوة على تخفيض ضريبة السكن على المواطن الفرنسى. تأتى التوقعات بعدم قدرة الرئيس الجديد على تحقيق ما تعهد به من خلال تساؤل بسيط: من أين سيأتى «ماكرون» بكل هذه الأموال التى روج لها خلال حملته الانتخابية؟، هذا بالإضافة إلى الدراسات والتحليلات الاقتصادية المتخصصة التى تؤكد ذلك، حيث قام معهد «مونتانى» للدراسات الاقتصادية بباريس، بتحليل وعود الرئيس الاقتصادية خلال برنامجه الانتخابى، وجاءت نتائج المعهد كالتالى: إذا كان «ماكرون» سيحقق وفراً فى موازنة الدولة الفرنسية بـ60 مليار يورو، ولكن المعهد رأى من خلال البيانات الواقعية وواقع الاقتصاد الفرنسى أنه لا يستطيع إلا تحقيق 36 مليار يورو فقط. كما وعد «ماكرون» بأنه سيضيف موارد ويحقق حصيلة للموازنة الفرنسية بـ12.5 مليار يورو، ولكن المعهد أكد أنها لن تتعدى 4.8 مليار يورو.

كما تعهد «ماكرون» بتوسيع قاعدة الغطاء الاجتماعى فيما يخص البطالة لمن يترك العمل بمحض إرادته حيث جعل الإعانة «شاملة»، وهو ما سيكلف الدولة تقريباً حال تنفيذ هذا التعهد نحو 9 مليارات يورو، وهذا يعود بنا مرة أخرى لطرح تساؤل: من أين سيأتى «ماكرون» بهذه الأموال لتنفيذ وعوده؟، هذا بالإضافة إلى مشكلة كيفية إحكام الرقابة على من يترك العمل بدون أسباب إذا تم تطبيق هذا النظام بالفعل «التأمين الشامل للبطالة».

إن عجز الموازنة الفرنسية وصل اليوم -طبقاً للمعهد الوطنى للإحصاءات والدراسات الاقتصادية- 76 مليار يورو بما يمثل 3.4% من الناتج المحلى الإجمالى الفرنسى، فى حين وصل الدين العام الفرنسى إلى 2150 مليار يورو، ما يمثل 97% من الناتج المحلى الإجمالى. وقد صل معدل النمو خلال عام 2016 بفرنسا إلى 1.1%، بالرغم من أنه كان من المتوقع أن يصل إلى 1.4%، ولكن نتيجة للإضرابات العمالية التى تمت خلال ربيع العام الماضى بسبب قانون العمل الجديد الذى اقترحته وزيرة العمل وضعف تنافسية الشركات الفرنسية، تراجع معدل النمو الاقتصادى عن المتوقع له واصلاً إلى 1.1%. 1.5% هو معدل النمو المتوقع بفرنسا لعام 2017، ولكن بعد وصول «ماكرون» إلى قصر الإليزيه، هناك توقعات بنزول المواطنين الفرنسيين إلى الشارع للتظاهر ضد السياسات الجديدة لـ«ماكرون»، التى تنبئ بتوجهات رأسمالية وليبرالية، وهو ما قد يعرقل وصول معدل النمو الاقتصادى إلى هذه النسبة خلال العام الجارى. أما على مستوى السياسة الخارجية فهناك مصالح اقتصادية متعددة مشتركة بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، التى ستلعب دوراً فى تغيير اللهجة العنيفة، التى تبناها ماكرون تجاه الولايات المتحدة الأمريكية خلال حملته الانتخابية، حيث تعتبر أمريكا هى الشريك التجارى الثانى لفرنسا بعد الصين خارج الاتحاد الأوروبى، كما أن فرنسا حققت فائضاً فى الميزان التجارى لها مع الولايات المتحدة نحو 15 مليار يورو عام 2015، هذا بالإضافة إلى أن هناك ما يقرب من 3600 فرع شركة فرنسية تعمل فى أمريكا ويعمل بها 560 ألف موظف، وفى المقابل نجد أن أمريكا لديها ما يقرب من 4600 شركة تعمل فى فرنسا وتقوم بتوظيف نحو 440 ألف موظف بين فرنسى وأمريكى.

بالرغم من أن علاقة فرنسا مع روسيا ليست بنفس درجة الكثافة لعلاقة فرنسا بأمريكا، إلا أنها مهمة أيضاً، حيث تعتبر فرنسا الشريك التجارى الثالث لروسيا بعد ألمانيا وإيطاليا، كما أن أهمية وحساسية العلاقة بين البلدين تكمن فيما تستورده فرنسا من المواد البترولية من روسيا، حيث إن نحو 83% من الواردات البترولية فى أوروبا تأتى من روسيا، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية المواد البترولية واعتماد فرنسا عليها، خصوصاً بعد اقتراحات كثيرة بغلق الكثير من المفاعلات النووية، وهذا ما سيدعو ماكرون إلى النظر مرة أخرى فيما شنه من هجوم على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

أستاذ الاقتصاد الدولى بالجامعة الأوروبية

للأعمال بباريس ورئيس الجمعية الأورومتوسطية