رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى كنت مبتدئًا فى العمل الصحفى، وكنت أعمل بجريدة القاهرة وجريدة الوفد، فى هذه الأيام فتحت لأول مرة ملف سرقة تحقيق كتب التراث، قبل الطباعة كان المؤلف يكتب مؤلفه ويسلمه للناسخ الذى يقوم بنسخ عدة نسخ منه، وكان يتم تداوله ورقيًّا بين المثقفين والقراء، بعد ظهور الطباعة استحدث علم التحقيق، وهو ببساطة تأهيل الكتاب المخطوط لقارئ اليوم، تصحيح بعض الأخطاء التى وقع فيها الناسخ، تعريف الشخصيات والأماكن المذكورة، نسب الأشعار لقائلها، وضع مرادفات للكلمات المهجورة، وغيرها، هذا الجهد يسمى تحقيق المخطوط.

أيامها كنت أستكمل مكتبتى بشراء بعض أمهات الكتب فى التاريخ والفقه والأدب، ولفت انتباهى تعدد التحقيقات لكتاب واحد، على سبيل المثال كتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسى(384 456هـ)، وهو رائد الفقه الظاهرى، والكتاب فى الحب وأسبابه، عدت بالبحث اتضح أن أقدم تحقيق للكتاب كان للمستشرق الروسى د.ك. بتروف، نشر عام 1914 بمطبعة ليدن، بعدها تعددت الطبعات والتحقيقات، عثرت أيامها على 13 طبعة لـ 13 محققًا، بمقارنة التحقيقات، اتضح أن معظمهم، نقل جهد المستشرق الروسى.

كتبت فى ذاك التوقيت عدة مقالات عن سرقة تحقيق التراث، وكنت مازلت شابا، وتحت التمرين فى جريدة الوفد، وذاع صيت المقالات، وأشارت إليه بعض الصحف، وأيامها كتب عن هذه السلسلة الناقد والكاتب الكبير رجاء النقاش رحمة الله عليه فى مجلة المصور، وكانت مقالاتى تنشر فى جريدة الرياض السعودية، وأشار النقاش فى مقاله إلى واقعة بعينها، فأقام المتهم فى الواقعة دعوى قذف وسب ضد الكاتب الكبير والعبد لله، اتصل بى الكاتب الكبير وأخبرنى بالدعوى وكان منزعجًا جدًّا، وطلب منى أن أعد مقالة تتضمن شواهد تثبت السرقة بأسلوب مبسط لكى نقدمها للنيابة والمحكمة، وصارحته بأننى بحمد الله على الطوب الأحمر، لا أمتلك (حتى اليوم) أتعاب محامٍ، وقال لى: مالكش دعوه، اعمل بس الدراسة وروح قابل المحامى الدكتور فلان فى وسط البلد.

ذهب كاتبنا الكبير للنيابة، وكان وكيل النيابة شابًّا فى مقتبل العمر، لا يعرف النقاش ولا قيمته، ووجه له اتهامات وأسئلة، أجاب عنها الراحل، اتصل بى بعدها ووبخنى لأننى وضعته فى هذا الموقف لأول مرة فى حياته، وكان رحمة الله عليه متأذيًّا جدا لأن وكيل النيابة خاطبه بكلمة متهم، عندما جاء دورى فى التحقيق، جلست أمام الشاب، وكان على قدر من الخلق والأدب الجم يشرف أى والدين، وقبل أن يوجه لى الأسئلة، حكيت له ما دار بينى وبين الكاتب الكبير، وتأذى الشاب جدًّا، وأكد لى أنه لا يعرفه لأنه لا يقرأ فى الأدب، وأنه منشغل بالقراءة فى القانون، وأبدى استعداده للاتصال به وتطييب خاطره، وأخبرنى أنه لم يخاطبه كمتهم، بل كان يقول له: أنت متهم بكذا، ولأن هذه الواقعة كانت الأولى لأستاذنا رحمة الله عليه، فقد تركت أثرًا فى نفسه، حتى أنه قال لى مازحًا: بقولك، أنا مش عايز أشوفك تانى، ومش هقرأ أى حاجة تكتبها، اوعى تتصل بى أو تزورنى فى المكتب. وبعد شهر من الواقعة دعانى إلى وجبة غداء مع بعض الكتاب فى منزله، رحمة الله عليه، وتحية تقدير لوكيل النائب العام الشاب الذى لا أتذكر اسمه.

[email protected]