عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

تمر ببلادنا الآن لحظات صعبة، نحاول أن نسترجع فيها مقامنا بين الدول بعد أن دهورتنا السنون الماضية، وصدرتنا أمام مصاعب جمة، ومواجهات للحياة ليست ميسورة، وأصبح الناس فى حاجة إلى من يرفه عنهم ويحميهم من الكوابيس التى تغمرهم، حتى يستقبلوا الحياة موفورين نشطاء، يعملون فى همة، وينتجون فى حماس، وقد كان أملنا أن يقوم التليفزيون بهذه المهمة أو أفلام السينما، ولكن أملنا خاب ووجدناه يفعمنا بما يغم نفوسنا، فمن ولد يقتل أمه من أجل الحشيش، لزوجة تشاغب زوجها بهستيرية فى كل المحاكم، لاغتصاب طفلة فى عمر الزهور، لتهويل شنيع فى انتشار التحرش، ونسينا الفكاهة التى ترسم البسمة على شفاهنا والجمهور على وجوهنا، ولم نر إلا البعض الذين فرضوا أنفسهم علينا، وهم بعيدون كل البعد عن التفكيه (من فاكهة)، فمن مطول لشد رأسه إلى أعلى على أمل أن ذلك قد يضحكنا، لراقص يهز وسطه هزًا أكثر مما تهزه راقصة لعوب، لتجميع اثنين أو ثلاثة من يتوهمون أن الكثرة تزيد من كم الفكاهة، لمستغل يبتز الملايين لقاء عمل يتصدق به على الجماهير، ونسى هؤلاء أن الفكاهة والضحك ليسا تهريجاً وليسا استغلالاً، إنما هما فن عريق أصعب من أى فن آخر، وأن ممارستها يحتاج إلى الكثير من اللزوميات، فالتفكيه يحتاج إلى الموقف الهادف والنص القيم الذى يحيى المشهد ويفعله دون جهد زائد أو افتعال ممجوج، فمن منا لم يضحك حين رأى نجيب الريحانى بتعابير وجهه فقط دون محاولة للإضحاك يذكر أن أول جنيه يقع فى يده بعد الضنك الذى لازمه كان مزورًا وهكذا كان هذا الكوميدى الأصيل يقضى الأيام والليالى مع بديع خيرى لا للظهور أمام الناس وحسب، وإنما للتحضير لما يلقى لهؤلاء الناس، كذلك حب الفن للفن لا لكسب الملايين من ألزم لزوميات الكوميديان، فبشارة واكيم مثلًا ابن الفجالة الذى أثرى السينما بفكاهاته المنطلقة من صميم قلبه والذى ضرب بالمحاماة التى كان يمتهنها عرض الحائط، وكذلك دكتوراه الفلسفة التى كان يحضر لها. فعل ذلك من أجل أن يقدم الفكاهة التى عشقها وآثر أن يقدم فيها كل ما عنده من جهد، أما محاولة تقليد الثلاثة الفكاهيين الضيف وسمير وجورج، فلا يمكن أبدًا أن يؤتى ثماره لأن التقليد يمسخ الفكاهة حتى ولو كان تقليدًا فى العنوان.

كما حدث فى بعض الفوازير أيضًا هم أن تجمع الثلاثة لم يكن لزيادة كم الفكاهة ولكنه كان تكميلًا لبعضهم بعضاً، إذ كان كل واحد منهم له لونه الخاص، فالضيف كانت عيناه تتفاعلات بخفة أمام من هو أمامه، وتقاطيع وجهه تؤدى رد الفعل كأوضح ما يكون، حتى قيل إنه صاروخ الفكاهة، وسمير الذى ابتدع لنفسه طريقة للسير والحركة اختلفت كثيرًا عن الحركة العادية، ناهيك عن الإفيهات التى كان يبتدعها، أما جورج فسمنته أضافت إلى مظهره الطريف سمة مؤثرة شاهدناها فى فمه المحشو إلى آخره بالطعام فى «المتزوجون»، ثم إن ظهور هؤلاء الثلاثة لم يكن بالعافية، وإنما قدمهم إلينا محمد سالم، أحد كبار المخرجين، أما باقى الفكاهيين، أمثال فؤاد المهندس ومارى منيب وشريهان فقد قدموا قنابل فنونًا فى الفكاهة أضاءت شاشات التليفزيون والسينما بحق وحقيقى على مدى أعوام طوال.

وبات أن نعى أن الفكاهة لها أصول وأنها علم له أهميته، وليست «لعب أطفال» كما قد يتصوره البعض أو يعتقده أنه أسهل الفنون لأنه فى الحقيقة أصعبها، ومن أجله تقام الندوات والمؤتمرات، كذلك الذى أقيم فى (بال) بسويسرا، الذى أسفر عن اختيار أول مايو يومًا عالميًا للفكاهة، وكذلك ما يحدث فى بعض الولايات بأمريكا الشمالية باعتماد يوم اسمه «المتعة فى العمل» حيث تتخلل فيه الفكاهة والمرح للتحفيز ورفع إنتاجية العمل، فالفكاهة ليست فن «المسخرة»، خاصة أنها لا تليق إلا لأشخاص وهبتهم السماء خفة الدم منذ الولادة، ولا يمكن اكتسابها مهما بلغت الثقافة والفكاهة، ولأجل ذلك وجب على من ليس لهم حظ الموهبة وحظ الثقافة الفكاهية أن ينسحبوا من المشهد ويسلكوا فنونًا أخرى بعيدة عن الفكاهة، حتى لا يشمئز منهم الناس اشمئزازًا أبديًا، ولنفتح صدورنا للتفكه الجيد الذى يزيل الشدة، كما فعلت السعودية فى 2006 مثلًا حين انهار سوق الأسهم، وكما فعلت دول أخرى عقب أزمات حلت بها، وليعفينا المنتجون ومديرو القنوات من مدعى الفكاهة حتى لا تصيبهم السمعة السيئة والدعوات الثائرة عليهم وعلى أعمالهم.

 

الأستاذ بطب بنها