رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

لا أعلم دوراً محدداً لوزارة الصحة فى مصر سواء فى مجال الطب الوقائى أو فى قطاع السكان المسكوت عنه أفزعنى حالات التسمم الغذائى فى صعيد وريف مصر خلال الفترة الماضية! فالطب الوقائى أسبق من الطب العلاجى مهمة وأعظم خطرًا وهذا معنى لا يتبادر إلى الأذهان فى ديوان وزارة الصحة المصرية لأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى! ومن أسف فقد فطن إلى هذا المعنى مؤلفو العرب فى عصورهم الوسطى فكان الطب عندهم وقائيًا يستهدف حفظ الصحة وعلاجها يقصد إلى شفاء المرضى والوقائى أجل من العلاجى وأكثر نفعًا لأن الصحة فى الأصحاء موجودة وفى المرضى معدومة والمحافظة على الموجود أجل من طلب المفقود، فالأمم المتقدمة فى أيامنا الحاضرة تهتم بالطب الوقائى لأنه يكفل لمواطنيها الخدمات الصحية التى تقيهم شر الأمراض والأوبئة قبل وقوعها ويهيئهم للعمل ويمكنهم من الإنتاج ويوجه الجهود إلى العناية بحالة المساكن ونقاء الهواء ومستوى الغذاء ونشر الوعى الصحى وإنشاء المعامل التى تساعد على كشف الأمراض فى بواكيرها وصنع اللقاحات والأمصال الواقية وغير ذلك مما احتل مكانة الصدارة من اهتمام الحكومات ومؤسساتها فى أيامنا الحاضرة فلا نقنع بالطب العلاجى ودراساته الأكاديمية مكتفين باستخدام السماعة وميزان الحرارة وأنبوبة الاختبار.

إن اكتشاف الأورام السرطانية وأورام الثدى المبكر فى الغرب تصل نسبة الشفاء منها إلى 75%، أما فى مصر فإن النسبة تصل إلى 25% وها هو الفارق بين ثقافات الشعوب ووعيهم الصحى والثقافى والحضارى.

لقد بدأت فتوحات الطب الوقائى فى الغرب منذ أن وضحت العلاقة بين الفقر والمرض واقتنع البرلمان الانجليزى بأن يعتمد عام 1848 قانونًا يكفل المحافظة على صحة الشعب وينظم أول مجلس عام لتحصين موارد المياه ويقوم بشماريع المجارى وتنظيف المدن الكبرى.. ونشأ فى الولايات المتحدة عام 1901 معهد روكفلر للأبحاث الطبية بمعامله وآلاته وأجهزته العلمية والباحثين المتفرغين به وفى العام التالى وافق الكونجرس على قانون يحرم غش الأغذية والأدوية!

ولكن العرب فى عصورهم الوسطى قد توصلوا إلى الكثير من أسس الطب الوقائي ومقوماته فتوصلوا إلى الوقاية من الأمراض بدراسة الجسم ووظائف أعضائه وحاولوا الكشف عن أسباب الأمراض وأعراضها وطرق انتشارها لمعرفة أساليب الوقاية منها دفعاً لوقاعها واهتموا بما نسميه اليوم بعلوم الصحة وحرصوا على وضع القواعد التى تكفل العافية وتحول دون الوقوع فى المرض ومعرفة الوسط الذى يعيش فيه الإنسان، كما يبدو فى الهواء الذى يستنشقه والغذاء الذى يطعمه والماء الذى يشربه والمسكن الذى يقيم فيه والعمل الذى يقتات منه، بل كان بين أطباء العرب من أضافوا ضرورة الاهتمام بالحالات النفسية التى تتمثل فى الخوف والغضب والحزن والفزع واليأس والأمل وغيرها من انفعالات لها تأثيرها البالغ فى صحة الانسان وفرحته.

> وفى تراث الطب وصايا هدت إليها خبرة الطبيب المصرى فمن أقوال العرب ليس أضر على الشيخ من طباخ حاذق وجارية حسناء لأنه يستكثر من الطعام فيسقم ومن الجماع فيهرم.. ويقول ابن سيناء «اجعل غذاءك كل يوم مرة واحذر طعامًا قبل هضم طعام.. واحفظ منيك ما استطعت فإنه ماء الحياة يراق فى الأرحام.

> ومثل هذا في تراث الطب العربى أكثر من أن يحصى وهو يكفى إبطالاً للزعم القائل إن عقيدة القضاء والقدر قد صرفت أهلها من المسلمين عن الالتزام بقواعد الصحة وهذا هو نهج وزارة الصحة المصرية فى الوقت الحالى بأن يعزو الكوارث والإهمال والفساد إلى القضاء والقدر! ونسى أصحاب هذا الزعم ما فطن إليه بعض الغربيين من أمثال ول ديورنت من أن مسلمات الاسلام أن النظافة من الإيمان وأن الشراب المسكر حرام وميل سكان المناطق الحارة إلى إيثار الطعام النباتى على الحيوانى والدعوة إلى الاستحمال وخاصة عند الإصابة بالحميات والدعوة إلى استخدام حمامات البخار وغيرها مما لا يزال يتبناه الطب الحديث.. قد لا يجد قارئ اليوم شيئًا غريبًا فما أسلفناه من موقف العرب فى عصورهم الوسطى من الطب الوقائى ولكن إذا وضع هذا الموقف فى إطاره الزمنى ومجاله الحضارى كان خليقًا بأن يجد فيه سبقًا لعصره بمئات السنين ويرى أهلا لأن يمثل مكانه من هذه اللقطات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

> أما ما نمارسه اليوم فهو شعوذة ونصب واحتيال فى كل مجال ويسألونك عن الصحة فى مصر قل هى أذى!