رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلما تأملت أحوالنا فى مصر تداعت إلى ذهنى تلك المقولة بالغة الدلالة التى باح بها الدكتور طه حسين فى لحظة ربما كانت قاسية بالنسبة له وجاء فيها: «ما يزال البلد متخلفًا وفقيرًا ومريضًا وجاهلًا.. فنسبة الأميين كما هى ونسبة المثقفين تتناقص بسرعة تدعو للانزعاج.. يخيل إلىّ أن ما كافحنا من أجله هو نفسه ما زال محتاجًا إلى كفاحكم وكفاح الأجيال المقبلة بعدكم أودعكم بكثير من الألم وقليل من الأمل».

أقول ذلك بمناسبة الحرب التى اندلعت مؤخرًا فى الأفق المصرى على خلفية أكشاك جمع القمامة وهى التجربة التى أثارت الكثير من الجدل الذى يكشف فى أحد جوانبه عن أن آليات التفكير فى مصر سواء على مستوى المجتمع أو على مستوى السلطة تقاوم التقدم إلى الأمام بكل السبل.. وما مشكلة القمامة التى تعتبر مشكلة مزمنة فى مجتمع كمجتمعنا الضارب أطنابه فى عمق التاريخ سوى نموذج كاشف على ذلك.

كنت قد قرأت كتابا لسيد قطب المفكر الاجتماعى وليس الداعية الدينى جمع مادته الكاتب الفرنسى آلان روسيون تحت عنوان: «المجتمع المصرى جذوره وآفاقه» ينعى فيه "قطب" منذ أكثر من سبعين عامًا على تلك الحالة المزرية من الأحياء القذرة وأكوام القمامة و«المزابل الدائمة التى كثيرا ما ترى حولها جماعة من الكلاب الضالة والقطط الجائعة والأطفال المشردين والعجائز القاعدات والجائعين المهزولين جنبا لجنب يبحثون جميعا حيوانات وآدميين عن لقمة أو عظمة أو قشرة بطيخ على مرأى من الشعب الجائع البليد» ويعلق قطب على هذا المشهد قائلا: لن يصدقنا أحد حين نزعم أننا أمة متمدنة.

ما زلنا وقد قفزنا للقرن الحادى والعشرين نعانى من ذات المشكلة، وبشكل يتنافى مع أى مستوى للتقدم ندعيه، وعندما تقدمت جماعة أو أفراد يمثلون المجتمع المدنى للمساهمة بتجربة فى حل المشكلة خرج الكل، وعلى رأسهم الزبالون، فى ثورة يحاربونها بدعوى أنها تقضى على مهنة جامعى القمامة وتؤدى إلى حالة بطالة فيما بينهم وأنها تقطع رزقهم.

من بين أكثر ردود الفعل التى أزعجتنى تلك التى عبرت عنها الدكتورة ليلى اسكندر وزيرة التطوير الحضرى والعشوائيات سابقا من أن تجربة أكشاك القمامة «كلام فارغ». رغم منطقها الذى بدا مقنعا فى جانب منه، إلا أن التسليم بما تقول لن يقدم ولن يؤخر وسيجعلنا محلك سر، فلا حللنا المشكلة جزئيا بتجربة أكشاك القمامة، ولا قضينا عليها نهائيا بالأفكار التى تدعو إليها وتؤكد هى بنفسها أن الحكومة لا تضعها فى اعتبارها.

ومع كل التقدير لخبرة الزبالين التى تؤكد عليها الدكتورة اسكندر والتى تتجاوز 70 عاما، فإن الأمر الذى ينبغى على الدكتورة وأمثالها ممن يتصدون لمثل هذه القضايا هو التيقن من أنه ليس بمثل هذه الخبرة وحدها «ينظف» المجتمع المصري، فهم مجرد ترس فى آلة يحتاج من يديرهم، ومن يمكنه القيام على ذلك باعترافها عاجز عن الفعل أو حتى المبادرة به، إلى الحد الذى جعلنا متأخرين حتى عن مجتمعات كنا ندعى أننا سبقناها بعقود إن لم يكن بقرون.

كنت قد قرأت فى كتاب بعنوان: «الاغتيال الاقتصادى للأمم» للأمريكى جون بركنز – وكتبت عنه من قبل – أن مشكلة القمامة كانت ملحة فى السعودية حتى السبعينيات، ومع الطفرة النفطية استطاعت المملكة وبأموال هذه الطفرة استقدام شركات أمريكية لجمع القمامة والتخلص منها بأحدث الطرق التكنولوجية، ما جعل السعوديين فخورين بهذه النقلة الحضارية.

السؤال: إلى متى نعيش فى هذه القمامة دون أن نملك لها حلا، وهى كما يؤكد الكثيرون دون حاجة إلى مثل هذا التأكيد، من أبسط المظاهر الحضارية لأى أمة؟ وإلى متى يسود منطق أن فئات المجتمع، برؤيتها الضيقة لمصالحها هى التى تقود حركة الدولة؟ فى يقينى أننا إذا سرنا بهذا المنطق، فإننا بمقولة طه حسين التى صدرنا بها هذه السطور، قد نحتاج إلى عشرات الأجيال حتى يمكننا أن نأمل فى تحقيق التقدم فى بلد كله زبالة!

 

[email protected]