عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

وقفنا فى المقال السابق عند قبول العرب إيقاف القتال بعد هزيمة الجيوش العربية الثلاثة هزيمة عسكرية كاملة.

أدرك عبدالناصر بعبقرية السياسى المحترف أن الجماهير العربية والمصرية منها بالذات التى شحنها الإعلام العربى مؤكداً لها أن الحرب ستكون لبضعة أيام ثم يحتفل العرب فى ملاهى تل أبيب بالنصر الحاسم على إسرائيل وبدء تفكيك الدولة العبرية قد أصابتها صدمة مروعة تفوق الوصف، وأن المسئولية الكاملة تقع على عاتقه، حيث كانت السلطة المطلقة فى يده، وأدرك ضرورة القيام بعمل درامى يستوعب الصدمة ويضعه فى وضع الشهيد المجنى عليه أمام الجماهير التى مزقتها الصدمة عندما أدركت حقيقة ما حدث.

أقدم عبدالناصر مساء 9 يونيو على خطوة منقطعة النظير فى ذكائها ليمتص بها غضبة الجماهير العارمة التى ستوجه إليه، خرج على الهواء فى التليفزيون المصرى بوجه يغطيه الحزن الكامل وأعلن أنه يتحمل مسئولية الهزيمة كاملة ولذلك فقد قرر التنحى عن جميع مناصبه والعودة إلى صفوف الشعب جندياً بسيطاً وكلف زكريا محيى الدين برئاسة الجمهورية، وساق عبدالناصر التبريرات للجماهير المصعوقة بعضها مضحك عندما نتعمق فى التفكير فيه مثل إن إسرائيل خدعته فى هجومها الجوى عندما جاءت طائراتها من غرب مصر بينما كان هو مستعداً لها تماماً من الشرق عبر سيناء، وأضاف أكذوبة اعترف أنصاره فيما بعد أنها كانت كذبة صريحة، وهى أن طائرات أمريكا وبريطانيا كانت تحمى سماء إسرائيل عندما كانت طائراتها تهاجم مصر، وأنكرت بريطانيا وأمريكا هذه الواقعة تماماً واعترفت مصر فيما بعد بأنها كانت أكذوبة أطلقها عبدالناصر لتهدئة الجماهير، وعلى الفور خرجت المظاهرات العارمة التى أشرف الاتحاد الاشتراكى على تدبيرها فور انتهاء عبدالناصر من خطابه، خرجت الجماهير المصعوقة تحاول التعلق بأى قشة تنقذها من الغرق الذى سقطت فيه، وكان ضمن أسوأ ما قيل وقتها استهزاءً بالإنسان العربى هو برقية من عبدالسلام عارف، رئيس العراق، لعبدالناصر يقول فيها: إن قراركم التنحى عن السلطة أسوأ وقعاً على العرب من النكسة نفسها، عليكم البقاء وقيادة الأمة لإزالة آثار العدوان.

وفى اليوم التالى خرج عبدالناصر على الجماهير يعلن فى تواضع تام أنه سيبقى فى السلطة نزولاً على رغبة الشعب ورقص أعضاء مجلس الأمة على مقاعد المجلس عند إذاعة هذا النبأ السعيد وكأن الهزيمة الفادحة سحابة صيف عن قريب تنقشع، وبدأ عبدالناصر فى جمع أشلاء نظامه الذى انهار، وبدل أن تكون الهزيمة قد علمته أن انفراده بالقرار وديكتاتوريته الطاغية كانت أهم أسباب النكبة إذا به يخرج مرة ثانية متعطشاً لمزيد من السطوة والطغيان، فيكلف جيشه بإعادة البناء العسكرى على يد قائده الجديد محمد فوزى بعد إقصاء عبدالحكيم عامر ثم انتحاره قضاء أو تدبيراً!! وبدأ الإعلام الناصرى يردد أن العدوان الإسرائيلى قد فشل تماماً، فحيث إن الهدف منه كان إسقاط نظام الحكم وإسقاط عبدالناصر، وحيث إن عبدالناصر ظل متربعاً على عرش السلطة فإن العدوان الإسرائيلى قد فشل.

تضمن ترتيب البيت من الداخل إصدار بيان 30 مارس سنة 1968 متضمناً بجانب الفقرات الإنشائية المطولة خطة السيطرة على جميع مرافق الدولة وجمع كل خيوط السلطة فى يد عبدالناصر، ولما اندلعت مظاهرات عارمة وسط الطلبة مطالبة بالقصاص من المسئولين عن النكبة ألقى إليهم عبدالناصر بكبش فداء مناسب هو قائد القوات الجوية وبعض كبار مساعديه الذين حكم عليهم أولاً بالسجن خمسة عشر عاماً، ولما أعادت الجماهير ثورتها مطالبة بإعدام المسئولين أعيدت محاكمة قادة سلاح الطيران وحكم عليهم بالسجن المؤبد، وطبعاً تم الإفراج عنهم بعد سنوات قليلة، فلم يكونوا هم المسئولين عن النكسة ولكن المسئول الحقيقى كان قد رحل إلى رحاب الله فى 28 سبتمبر سنة 1970 كما سيأتى فى حينه.

بقيت أمام استكمال سيطرة عبدالناصر على كل مقاليد السلطة عقبة واحدة هى مؤسسة القضاء المصرى الشامخ التى كان بعض أقطابها ما زالوا من شيوخ القضاء المتمسكين باستقلالية السلطة القضائية، وكان عبدالناصر بعد بيان 30 مارس سنة 1968 يريد أن يصبح كل المسئولين بالدولة أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى لكى يضمن خضوعهم التام له، ورفضت أغلبية القضاة هذا وأيدهم شيوخ القضاء فى هذا الرفض، وفى أغسطس سنة 1969 ارتكب عبدالناصر آخر خطوات السيطرة على الحكم المطلق فيما عرف بمذبحة القضاء، فقام فى هذا التاريخ بإنهاء عضوية 91 مستشاراً وقاضياً وعضو نيابة ونقل 36 إلى وظائف غير قضائية وإنشاء مجلس أعلى للقضاء برئاسة عبدالناصر.

ونقف عند هذه الفقرة لعرض أحداث سنتى 1969، 1970 فى المقال التالى.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد