عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إذا قدر لك أن تقوم بما يمكن وصفه نظرة بانورامية على الساحل الشمالي ذهابا ومجيئا، فإن الخاطر الذي لابد أن يرد على ذهنك على الفور هو أننا في دولة تتمثل خطتها الأساسية في السعي الحثيث من أجل توفير «شاليه لكل مواطن». العمل يجري هناك بطول أكثر من 250 كيلو مترا على قدم وساق من أجل إنجاز واستكمال القرى السياحية التي ملأت الساحل عن آخره حتى لم يعد هناك موطأ قدم لغير إقامة تلك القرى.

بالتعبير الدارج لم يعد هناك «خرم إبرة» حتى أن بعض الشركات لجأت إلى ما وصفته عن حق «تغيير مفهوم الساحل»، فلم يعد الساحل ذلك المسار الموازي للشاطئ الممتد بطول المنطقة من الإسكندرية حتى مطروح، أو بعبارة أخرى لم يعد الساحل بابا للبحر وإنما أصبح باب البحر بعيدا عن الشاطئ ولا تربطه به رابطة. تخيل! ذلك أنه من فرط التكالب على القيام بالإنشاءات ضاق الحيز العمراني عن تحمل فائض مخططات إقامة قرى جديدة، فكان اللجوء إلى مواقع أخرى من الطريق تبعد كثيرا عن البحر، من أجل إنشاء المزيد من القري.

يمكنك أن تدرك طبيعة الموقف إذا تتبعت أو حاولت أن تقوم بعملية إحصاء لحجم إعلانات الشركات العقارية التي تقوم على إنشاء القرى السياحية والتي تمثل حصة غير صغيرة قد تتجاوز نصف سوق الإعلان، سواء الصحف أم الفضائيات أم الطرق، فضلا عن الإعلانات المباشرة التي تتم من خلال أسلوب تسويقي يقوم على أساس السعي لخلق عملاء جدد بالتواصل المباشر مع المواطنين بالهاتف وإقناعهم بالشراء ودخول نادي أعضاء الشاليهات بالساحل الشمالي – وغيره من مناطق أخرى تقام بها القرى السياحية.

هناك حالة محمومة من الإعلانات تكشف تعاظم سوق هذا النشاط، وهو ما يشير بالبديهة لتعاظم العائد منه كنشاط عقاري بما قد يفوق العائد من أي نشاط إنتاجي أو خدمي آخر في المجتمع. قد يفسر لنا ذلك الواقع الذي نراه والذي يقوم على محاولة مداعبة أحلام المواطنين لحد إجبارهم على اقتناء شاليه في الوقت الذي قد لا يكون لديهم السكن المناسب الذي يؤويهم على مدار العام.

رغم أن هذا الامر قد يمثل، حسبما قد يتصور البعض، نهضة وطفرة عمرانية باعتبار أن الأمر ييسر من مهمة تنمية الساحل الشمالي، إلا أن التمعن في مثل هذا التصور يكشف عن قصوره لأسباب عدة، فمن ناحية فإن نظرة تأملية لواقع الحال في الساحل الشمالي تؤكد لك حقيقة ما نذهب إليه.. وإلا فبأي معنى يمكن تخيل أن يكون هناك عمران في منطقة يصل حجم المسافة بين أول محطة بنزين بها وتلك التي تليها أكثر من 140 كيلوا مترا تقريبا.. رغم أنها بالمعايير العالمية يجب ألا تزيد في المناطق غير المأهولة علي أكثر من 25 كيلو مترا.  إن الساحل لرائيه ما زال صحراء جرداء رغم أنه يملك كل مقومات التنمية الحقيقية التي يمكن أن تجعله بحق مصدرا لتفريغ الكثافة السكانية بالقاهرة وباقي المحافظات المزدحمة. أما الحركة الدائبة التي تشتعل في قراه فتلك حركة موسمية لا تعد بأي حال مقوما من مقومات التنمية المأمولة.

في إطار انشغالي بالموضوع حاولت الوصول إلى بيانات تجعل من كلامي ينطلق على خلفية دقيقة تؤكد ما أذهب إليه أو تنفيه غير أني لم أجد أي بيانات يمكن أن تفيد بما في ذلك من خلال المخططات الرسمية التي تقوم بإعدادها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وجهاز تنمية الساحل الشمالي. وفي ضوء تلك الحالة فإنني أنطلق من أسئلة وليس من إجابات، باعتبار ان هذه الأخيرة لا بد أن تكون حاضرة وقائمة في ذهن المخطط الذي يقوم على إدارة وتنمية المنطقة، نأمل أن يمنّ بها علينا إذا رأى فيما نقوله قيمة تستحق المتابعة والرد. 

أبدأ بالسؤال: ما حجم احتياجات المصريين من قرى سياحية وشاليهات على امتداد الساحل الشمالي؟ مع الوضع في الاعتبار ان هناك وجهات أخرى يقوم المصريون بالتوجه إليها للتصييف مثل العين السخنة والإسكندرية وبلطيم وغيرها، وأن الأمر يقتصر بالنسبة لاستغلال الساحل على السياحة الداخلية حتى الآن ولا تمثل السياحة العربية نسبة يعتد بها، وأما الأجنبية فتكاد لا تذكر. لو افترضنا أن حجم المصريين الذي يتوجه للساحل يقدر بنحو 5 ملايين مصري – وهو رقم مبالغ فيه، وأن استغلال الشاليه الواحد – حتى ولو بنظام المشاركة رغم أن ذلك غير قائم – يتم على مدار نحو 15 أسبوعا هي متوسط فترة الصيف، لأمكننا القول إن كل شاليه يمكن أن يستوعب 15 أسرة بمتوسط 5 أفراد لكل أسرة، ما يعني أننا بحاجة مثلا لنحو 65 ألف شاليه. السؤال : كما عدد الشاليهات التي يضمها الساحل؟ سؤال دون إجابة، وأتصور أنه ليس لدى القائمين على الأمر إحصاء دقيق يمكن أن يقدم ردا.

يبدو الاستطراد في طرح تصورات افتراضية نوعا من العبثية، غير أن الأكثر عبثية هو الاستمرار فيما نقوم به من إهدار المليارات من دخلنا القومي على مثل هذا النشاط في دولة تعيش أزمة اقتصادية طاحنة. وإذا كان من الصحيح أن العيب يقع على المواطن الذي يتكالب لشراء شاليه قد لا يستغله سوى أسبوع، فإن قدرا كبيرا من اللوم يجب أن يوجه للدولة التي سمحت عن وعي أو غير وعي بإقامة هذه الغابات الأسمنتية بما يستتبعه من إنفاقات قد لا يتجاوز حجم الاستفادة منها عشرة بالمائة من طاقتها الفعلية. فهل من مجيب؟  

[email protected]