رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

القرى فى مؤخرة قطار التنمية.. ولا تنال نصيبها من موازنات الدولة

جمع الزكاة مركزيًّا لتصب الموارد فى العاصمة أثر سلبًا على مواردها

بؤس المرضى ومعاناة الفقراء أصبح أسلوب حياة لبعض الفضائيات

هناك قنوات تليفزيونية تتخصص فى «الدعاية السوداء» ضد مصر

اقتسام شركات الإعلانات ما يجمعه المعلنون من أموال الزكاة جريمة فى حق المتبرعين

 

حديث العالم الفاضل الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الذى جاء أثناء خطبته يوم الجمعة الماضى عند افتتاحه أحد المساجد بقرى بنى سويف ـ يتطلب منا وقفة تأمل.. بكى الوزير متأثرًا وهو يؤكد أن الفقراء بالقرى هم مسئولية الأغنياء.. وتحدث عن الإسلام قائلا: إنه ليس شعارات إنما هو إطعام الجائع، وإغاثة الملهوف، وعلاج المريض، والموعظة الحسنة، والبعد عن الفساد والتخريب.. حديث موجز ومختصر ولكنه ينفذ إلى القلب، مؤثرًا فى نفسى ومحركًا لمشاعرى، إذ نطق فضيلته بما هو كامن فى قلبى وأومن به تمامًا والذى عبر عنه بإيجاز وموضوعية وأيضا باقتدار، بل وكشف عن التساؤل الذى يحيرنى ويشغل بالى وهو لمن تذهب الزكاة والصدقات؟ وما هى أولويات إنفاق الصدقات حتى تأتى بتأثيرها فى تنمية المجتمع الذى نعيش فيه؟ وما هى مسئولية المزكى عند تقديمه عطاءه من حيث التوقيت والأكثر أهمية هو: أى مجتمع هو مسئول عنه؟  وأعتقد أن هذه المسئولية تنعكس معها مفاهيم الإسلام وفلسفته فى إرساء التنمية والتكافل الاجتماعى فى المجتمع.

إن جوهر الإسلام ليس الشعارات ولكنه العمل الميدانى الذى يستطيع أن يحل مشاكل غير القادرين الذين حرموا من الحقوق الدنيا فى الحياة الكريمة أو حتى فى الحياة فقط.. روح الإسلام تتمثل فى البحث عن الجائع فتطعمه.. وعن المريض فتعالجه.. وعن الملهوف فتغيثه.. هذه قائمة الأولويات، فهل نحن نتبع هذه القائمة وهل أرسينا هذه المبادئ فى ممارستنا للدين الحنيف.. قمة الحكمة والمنطق السليم تعرب عن أن التكافل والتآخى مسئولية تقع على المجتمع الصغير داخل القرية والحى المحيط بك وليس القاهرة الكبرى أو المحافظة كلها.. بمعنى أن مسئولية تحديد المكان والأطراف واضحة فى كون الأغنياء والمقتدرين فى القرية أو الحى مسئولين عن الفقراء الذين يحيطون بهم أولا وقبل أن يكونوا مسئولين عن غيرهم فى نطاق آخر.. ففلسفة الإسلام هى التضامن فى مجتمع رحيم بعضه ببعض، والزكاة هى أسلوب التنمية للمجتمع بدافع الإيمان بالله تعالى بالإضافة لفضلها فى إزالة الحقد والكراهية والحسد عبر التراحم والتكامل والتكافل الاجتماعي.. الزكاة تمثل معنى ساميا للإسلام وقدرته فى بناء المجتمع السليم من حولك.. وما حدده وزير الأوقاف من أن القرية أشد احتياجا للتنمية والمؤازرة والتعاطف لا يأتِى من فراغ، فالقرية ما زالت فى مؤخرة قطار التنمية فى كل عهد وما زالت تعانى من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، بل وتفاقمت هذه المشاكل بصورة لا تخفى على أحد، أضف الى ذلك أن القرية والمجتمعات المهمشة بعيدة عن أن تنال نصيبها للإصلاح من موازنات الدولة التى تعطى أولوياتها للمدن والعواصم!

وعلى الرغم من أن الارتفاع الحاد للأسعار قد شمل جميع الفئات فإن الفقراء أكثر معاناة وتأثرًا جرّاء ذلك، فى الوقت الذى تتناقص فيه موارد العطاء لهم.. وهناك عاملان مهمان أثرا سلبا على موارد الزكاة فى القرى والنجوع، أولهما هو جمع الزكاة مركزيا لتصب الموارد بالعاصمة.. فالأزهر الشريف يجمع الزكاة، والدولة تحاول جمع الزكاة لمشروعاتها، وهناك العديد من المؤسسات والجمعيات مما يتبنى مشروعات عملاقة أكثر تأثيرا ونفاذا لقلوب المتبرعين الذين ينبهرون بالمشروعات البراقة غير مدركين أو باحثين عن مواطن المعاناة الحقيقية والبؤس فى داخل القري.. وعلى الرغم من أننى ضد جمع الزكاة والصدقات مركزيا فإنه يجب ان يخصص الجزء الأكبر منها للقرى والنجوع تحت مبدأ أنهم الأشد احتياجا.. ولا يمكن أن تكون للعواصم أولوية عندما يزداد فقر الفقراء ويصعب علاج مرضاهم.. وعندما نتحدث عن المرضى لا يمكن ان ننسى المريض فى القرية الذى لا يجد دواء أو عطفا أو مكانا فى مستشفى، فالمريض الفقير أصبح غير مرحب به فى المستشفيات وهذا يرجع للخلل الفاضح للسياسات الصحية، فيصعب على هذا الفقير الحصول على قرار العلاج الا بعد رحلة معاناة، ومريض الفشل الكلوى كان محل ضياع منذ الثورة وما تقدمه الحكومة له لا يكفى لعلاجه، ومرضى السرطان فى القرى يعانون أشد المعاناة.. وعلى مسئوليتي.. لا يحصل المرضى فى القرى على العلاج المناسب الا فى حالات محدودة.. وأعود الى قول الدكتور مختار جمعة وهو يؤكد على علاج المرضى واغاثة الملهوف.. هذه الاغاثة قد تكون بدواء أو بسرير فى المستشفى أو عملية سريعة أو سرير بالرعاية المركزة وكلها أمور أصبحت من الصعوبة للقادرين فما بال الفقراء الصامتين.. وعلى الرغم من أن الدولة تبنى وتفتتح المستشفيات الفارهة بالزهو والإعجاب والتهليل فإنها ليست لعلاج الفقراء.. أو حتى متوسطى الحال.. فقد اتصل بى مؤخرا شخص نصف مقتدر ذهب بوالدته لإجراء عملية فطلبوا منه خمسة وثلاثين ألف جنيه.. وطبعا لم تدخل هذا المستشفى لأن كل ما يملكه هو أربعة آلاف جنيه.

أما العامل الثانى الذى أثر سلبا على موارد الزكاة فى القرى والنجوع فهو اعلام بعض القنوات الفضائية الذى استخدمه البعض كوسيلة ناجحة صرعت كل الوسائل الأخرى فى جمع الزكاة وتراوح ذلك بين الإعلام «الرخيص» والاعلام «المتفوق».. والاعلام الرخيص هو الذى يعرض امرأة فقيرة بأولادها، أو معاناة مريض وسط أهله، وهناك قنوات تلفزيونية تتخصص فى الدعاية السوداء ضد مصر.. ويتكرر مشهد المذيع الفاسد الذى يستغل قسوة الظروف لجمع التبرعات على الموبايل دون رقابة أو حياء! هذا ما يحدث فى مصر الآن، حيث أصبح بؤس المرضى ومعاناة الفقراء أو الإعلان عن العلاج الخاص أسلوب حياة لهذه القنوات الفضائية التى لا يوجد بها حياء أو خوف من الله.. وعندما كنت وزيرًا للصحة ومعنا وكلاء الوزارة تصدينا حينذاك لذلك وقلنا نحن أولى بهؤلاء المرضى وعلاجهم إذا كانوا مرضى حقيقيين.. كنا نرسل سيارات الإسعاف لتحضرهم الى المستشفيات لعمل اللازم، ومن يطلب منهم الدواء -صدق أو لا تصدق- كنا نوصله إليه.. حتى المتسولين ممن يذهبون للمساجد بدعوى احتياجهم الى عمليات جراحية مكلفة.. كانت هناك سيارات اسعاف تجمعهم فى صلاة الجمعة أو فى الميادين، والقلة المريضة منهم تتولاهم المستشفيات، أما المتسولون المزمنون فيحالون للأقسام فى ذلك الوقت.. ولكن الدنيا تغيرت والتسول أصبح فى التليفزيون على مرأى ومسمع من الجميع، والكل قد نفض يده من المشكلة وجلب الخزى لمصر العظيمة التى لم تعد تستطيع أن تعالج بعضًا من المرضى بكرامة محفوظة لكل من المريض والوطن.

والمؤلم حقا أن ترى معاناة الصامتين الصامدين والذين بعدت الصدقات والزكاة عنهم لأنهم غير قادرين على المواجهة الإعلامية الشرسة التى سلبت حقوقهم، وأبعدت الزكاة عن مجتمعهم الآمن، ومن هنا تبرز خطورة الإعلام على الفقراء والمساكين من خلال القدرات الإعلامية فى توجيه التبرعات بعيدا عن المجتمع الأشد احتياجا والذى يزخر بالمحتاجين لهذه الزكاة.. وعلى الرغم من أن نقل الزكاة لمجتمع آخر جائز، الا أن ذلك يأتى فى المقام الأول لدواعى الضرورة، وعندما تكون الضرورة والحاجة ماسة فى القرى والنجوع، فلا أتخيل أن انتقال الزكاة للعواصم أمر يستند الى المنطق أو يشوبه العدل..

وهناك أيضا الإعلام المتفوق الذى يُخرِج الإعلانات لكبار القوم، ولم أكن أعلم -وأتمنى ألا يكون صحيحا- أن هناك شركات تتولى عمل الإعلانات وتتقاسم ما يتم جمعه من أموال الزكاة والصدقات! وإذا كان ذلك صحيحًا فهم يرتكبون جريمة فى حق المتبرعين الذين يجهلون ذلك، وجريمة أمام الله فى أموال ما جُمعت إلا لتنفق فى سبيل الله.. ونحن نحب الأبهة ويجذب الكثيرين توجيه تبرعاتهم إلى المبانى الفخمة والتجهيزات المكلفة، ونجد كبار القوم مشاركين فى ذلك على طريقة التحية والإجلال.. وقيل لى إن بعض العاملين فى هذه الجمعيات المحظوظة يتقاضون مئات الألوف من الجنيهات شهريا وحتى هذا الرقم كان قبل تعويم الجنيه.. وفى غمرة المئات من الآلاف والملايين نسينا المبالغ البسيطة التى تزيل آلام المحتاجين فى القرى والذين حرموا من هذه الصدقات.. كم من الأرواح كان يمكن إنقاذها لو كان لها نصيب فى تلك الصدقات وأموال الزكاة.. الناس تتساقط موتى من أمراض السرطان والقلب والكبد، ولكن هناك من يموتون أيضا لتداعيات التوقف عن علاج الضغط والقلب والسكر والرئة والمرارة فى القرى والنجوع، نظرا لتكلفة العلاج وطبيعته المتكررة.. صدقات بسيطة تنقذ الآلاف والملايين ولكن التحول الذى يحدث حرم الكثيرين من المشاركة فى انقاذ الأرواح، ولا شك أن هناك أفرادا وجمعيات هادفة يساهمون ويبذلون الجهد فى القرى ولكن الغالبية القوية استطاعت أن تنتزع الجزء الأكبر من هذه المساهمات.

لست ضد المشروعات العملاقة أو المبانى المبهرة بصرف النظر عن مدى مردود واتساق حجم التبرعات لخدماتها المقدمة للمواطنين.. ولكن أنا ضد الغبن الذى يقع على أهل القرى والنجوع والمهمشين أينما كانوا، فيتم الجور على حقوقهم التى أقرها الله سبحانه وتعالى من خلال الدين الحنيف.. لقد تركنا الجوهر والفلسفة التى قامت من أجلها تلك الأوامر الإلهية التى تسمو بالإنسان فى تراحمه وتآزره.. تركنا الجوهر فى دور الزكاة فى انماء المجتمع المحيط أو المحلى الذى جمعت من أجله، وفى سد حاجة الفقراء من حولنا لنسلب حقوق هؤلاء الضعفاء من أجل الأقوياء الذين هم أشد قوة وحنكة فى تصيد الصدقات.

وما زلت اذكر البنوك والشركات التى كانت لها مساهمات فعالة فى تخفيف العبء عن المرضى غير القادرين فى مصر على اتساع محافظاتها النائية والمستشفيات المركزية والقرى وصعيد مصر، وكان المرحوم الوزير محمود محمد والمرحوم محمد حافظ والمرحوم محمد منيب قيادات بنك مصر وبنك مصر الدولى وغيرهم- كانوا قيادات عظيمة كشف الله عن بصيرتهم ليروا آلام المرضى والمظلومين والتى يحاول الكِثيرون ألا يروها الآن.. كانوا دقيقى البحث فى قاع المجتمع وكانت وجهتهم الله تعالى وتوجههم للمساعدة فى ذلك الوقت يركز على المريض الفقير فى المحافظات النائية لتصله الرسالة نحن معك.. لا نريد جزاء ولا شكورا.. وكانت لهم ايادٍ بيضاء فى كل انحاء مصر وفضل فى ادخال الخدمات الحديثة للمحافظات النائية والمستشفيات الصغيرة، وأذكر ان أحد المستشفيات طلب جهازا متطورا وكجهة لم يوافقوا عليه الا بعد الحصول على تأكيد بأن الفحص سيتم مجانا للمواطن، واستمر هذا الجهاز يؤدى الخدمة المجانية لأكثر من عشر سنوات.. ومن خلال جهودهم تم ادخال وحدات وخدمة الغسيل الكلوى فى العديد من المستشفيات العامة ولخدمة غير القادرين فى المناطق المحرومة.. يجب ان تكون هناك احياء لمثل هذا الدور الطيب والمباشر للبنوك، وأن تكون هناك دعوة للقطاع الخاص ليقوم بدور فعال مباشر يُنتظر منه نحو النهوض بالقرية وتحسين الخدمة للفقراء والمحتاجين.

تحدث وزير الأوقاف، مطالبًا المحافظين بعمل خريطة لاحتياجات كل قرية على حدة.. وهذا كلام علمى أتمنى أن يكون له صدى لدى السادة المحافظين، وأن يكون هناك تخطيط لمشروعات الخير من خلال التبرعات والجهود الذاتية، ويجب ان تكون هناك جداول للأولويات والمشاركات، وهنا أيضا يأتى دور المحافظات فى توجيه بعض التمويل من المشروعات المركزية.. هناك امثلة متعددة لمشروعات يجب ان يكون لها أولوية ولكننى أومن بأن هذه الأولوية يجب ان تنبع وتحدد طبقا للاحتياجات الملحة.. وربما يتفق معى وزير الأوقاف فى أن يكون ما جاء فى خطبته عن القرى والتكافل الاجتماعى بها موضوعا لخطبة الجمعة بالمساجد لتحفيز القادرين لتوجيه زكاتهم وصدقاتهم بصورة مباشرة لتلك المجتمعات حولهم، وأطالب جامعى الصدقات فى المدن والعواصم بأن يخصص الجزء الأكبر منها للتنمية وسد الاحتياجات فى القرى والنجوع.. وأخيرا يجب ان يكون للحكومة دور مساعد فى ذلك أو على أقل تقدير أن تقوم بتعضيد المبادرات المحلية فى مواطن الفقر.

وللعلم أنا لم أشرف بمعرفة وزير الأوقاف ولكن له كل الشكر والتقدير.

[email protected]