رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عرف المصريون الدين قبل كل الرسالات السماوية وتأملوا من حولهم الكون واختاروا آلهتهم من قوى الطبيعة الخيرة كالشمس والنيل بمعنى انهم آمنوا مبكرا بأن قوة الله بقدر الخير الذي ينشره بين البشر وساعدهم هذا التصور على إبداع حضارتهم  العجيبة التي تؤكد رقي نظرتهم للحياة والخلود معاً.

وحين يتدهور تدين المصريين أو فهمهم للدين ويتخلفون في نظرتهم للحياة بعد ثلاثة اديان سماوية وعشرات الرسل والأنبياء فإن تساؤلات كثيرة تفرض نفسها علينا في ظل حالة الفوضي والتيه العنف باسم الدين مما حدا بعض الكتاب والباحثين لأن يروا  في الظاهرة الدينية مؤشراً سلبياً يفضي إلى الوقوف ضد تقدم المجتمعات وتطورها وحسب مفهومهم فإن الدين ماهو إلا عامل من عوامل التعصب وعدم التسامح وتفشي الجهل والخرافة لغياب الفكر النقدى الحر الذي يعتمد على التناول العلمي للكون والتاريخ.

في بحث رائع لعالم الاجتماع التونسي دكتور عبد الباقي الهرماسي بعنوان «علم الاجتماع الديني ـ المجال والمكاسب والتساؤلات» يحدد الباحث وظائف الدين في المجتمع العربي، واعتقد أن مصر الدولة والمجتمع ليست استثناء من هذه الرؤية التي أراها تنطبق على كل الاقطار العربية مع تباينات  سطحية.

يحدد الباحث الوظيفة الأولي بنزوع السلطات الدينية الى تقديس الآراء الظرفية والمواقف المحلية واحترام التصورات والمواقف الآنية الى حد إعاقة أي احتمال للتطور أمام صراع أزلي بين الدين والعلم، من اختراع الدولة والمجتمع معا.. أما ثاني الوظائف فقد لخصها في أن المؤسسة الكهنوتية « الدينية» تؤدي الى نوع من السلطوية التي تجهض أي محاولة للتغيير وأي فعل يهدف الى تجاوز الواقع وتصبح بالتالي عنصر جمود ـ وتجمد كل ماهو موجود مما يقتل أي محاولة للتقدم والتغيير. والأخطر من ذلك حسب تصور الباحث أنه بدلاً من خضوع المؤسسسة الكهنوتية للظاهرة الدينية حدث العكس واصبحت الظاهرة الدينية هي الخاضعة للمؤسسة الدينية التي حسب وظيفتها العكسية بدلاً من أن تعارض الظلم والقهر والتعسف السلطوي أصبحت وظيفتها الحقيقية هي تبرير ظواهر التعسف والظلم عوضاً عن معارضتها والتصدي لها، ووسط هذا المناخ من الطبيعي أن تكون أي محاولات للمجددين والمجتهدين محل ريبة وشك من قبل المؤسسات الكهنوتية.

الواقع المصري اليوم فيه الكثير من هذه الرؤية.. أمامنا مؤسسات دينية (الأزهر والأوقاف والإفتاء) لم يعد لها من وظيفة منذ أكثر من نصف قرن إلا تثبيت الحالة الراهنة على ماهي عليه وسد أي قناة جديدة للفكر والبحث العلمي الحقيقي خاصة ما يمتد منه لعلوم الفقه والكلام وفلسفات التفسير.. تفرغت هذه المؤسسات الكهنوتية لتبرير أفعال السلطة السياسية واستدرجت حتى لقضايا مفترض إنها يجب أن تنأي بنفسها عنها خاصة ماتعلق منها مثلا بالموقف من أعمال سينمائية وبشرعية تمثيل شخصيات الصحابة وبطول أو قصر ملابس النساء ـ في الوقت الذي لم تظهر هذه المؤسسات موقفا معارضا واحدا طوال نصف قرن لسلطات كم اخطأت ومارست الوانا من القهر والافقار بحق العباد.

وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين هي أصل كل الجماعات الدينية  في مصر وإنها بعد صدامها مع المصريين والذي أفضي الى 30 يونية و3 يوليو فإنه من الواضح ان الفراغ الثقافي والنخبوي والفكري الذي ملأته الجماعة واعتمدت عليه في تزييف وعي المصريين في غيبة الدولة ومؤسساتها ـ هذا الفراغ لا تزال تتسع رقعته رغم كل ماحدث  وإذا كانت عواصف 30 يونية قد القت بقيادات الاخوان في السجون وهرب من هرب حاملا معه خساراته وأوهامه فإن للأصل ألف صورة والمستنسخون من الإخوان كثر وعلى الدولة المصرية إذا أرادت أن تستأصل الداء من جذوره فالجذور تبدأ من خلط الدين بالسياسة.. قطع الجذور يبدأ بفصل الدين عن الدولة.. عن الدولة وليس المجتمع.. وهذه علمانية سياسية وليست علمانية وجودية.. فصل الدين عن الدولة يعني أن تخرج المؤسسات أو الكيانات الكهنوتية من عباءة الدولة لفضاء المجتمع مثلها مثل أى مؤسسات علمية أو اجتماعية أو فنية. يجب أن تتخلي عن امتيازاتها ومكاسبها أو تجبر على ذلك.. نحن بحاجة لوضوح في الرؤية والنوايا ـ هل نحلم بمصر جمال حمدان أم بمصر ياسر برهامي وعباس شومان.. هل نحلم بمصر طه حسين ونجيب محفوظ أم بمصر بكار ومخيون.. هل نحلم بمصر الباحثين والعلماء والمفكرين أم بمصر الدراويش والبهاليل والمجاذيب.. هل نحلم بمصر بها عدالة اجتماعية في توزيع الوعي والعلم والمعرفة والكرامة أم بمصر تنعم بعدالة توزيع الفقر والقهر والهوان.. هل نحلم بمصر هيكل والتابعي وبهاء الدين أم بمصر العكشوية والموسوية والدرديرية.. هل نحلم بمصر فيها أحزاب تتنافس بمرجعيات علمية واقتصادية وثقافية معاصرة أم بأحزاب تحتقر السلام الوطني وترفض تحية العلم وتعتبر الإخوة المسيحيين أهل ذمة.. هل نحلم بمصر القبطية وبمصر التي شعبها اقباط مسيحيين وأقباط مسلمين أم بمصر التي ذبحت عشرات المرات بسيوف الجهالة والعصبية والتضليل والتمييز.

أي مصر نريد ياسادة مصر مدنية مئة بالمئة أم مصر مدنية إلا قليلاً.. وبالتجربة هذا القليل سبب كوارث الامس واليوم وغداً لو استمر نومنا على أرصفة الجهل والإهمال والرؤى المتخلفة.

[email protected]