رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤي

 

قبل أيام كتبت عن الجملة التى كان يرددها «إيفان» أحد الشخصيات الرئيسية فى رواية «الإخوة كارامازوف» للأديب الروسي دوستويفسكى (1821- 1881)، وهى: «إذ لم يكن الله موجوداً فكل شىء مباح حتى الجريمة»، وقد تبنى أخوه من الأب «سمردياكوف» هذه الجملة وقام بتنفيذها على أرض الواقع، وذلك بقتله والده الذى كان يعامله كالخادم ويعاقبه بالضرب بشكل دائم، فقام «سمردياكوف» بقتل والده وادعاء إصابته بنوبة صرع، لكن هذا لم يمر على أخيه «إيفان»، وحاصره حتى اعترف له مردداً جملته الشهيرة.

ذكرت في المقال أنني قرأت هذه الرواية في المرحلة الثانوية، وتأثرت كثيرا بجملة «إيفان»، حيث أثارت بداخلي العديد من الأسئلة، كان على رأسها: ما الذي سيفعله من آمن بديانة ما والتزم بحلالها وحرامها، وحرم على نفسه طوال حياته ما حرمته الديانة، وبعد وفاته يكتشف أن الله غير موجود؟، وقلت: رغم كثرة الأسئلة وتنوعها، واتجاهي لدراسة الفلسفة للوقوف على تاريخ فكرة الله، فإن جملة «إيفان» لم تدفعنى للحظة إلى التشكك في عدم وجود صانع وضامن لهذا الكون، يضمن لنا الانتظام والبدايات والنهايات والحركة.

بعد نشر المقال تلقيت بعض الاتصالات من أصدقاء اختلط عليهم الأمر، ربما بسبب تسرعهم في القراءة أو بسبب أسلوبي في الكتابة الذي يعتمد على الاختصار بقدر الإمكان، فقد سألني البعض بدهشة: هو أنت كنت ملحد؟، والبعض الآخر طالب بأن أوضح موقفى من الله، وهل مازلت أومن بمقولة «إيفان»: إن لم يكن الله موجوداً..».

قلت للأصدقاء: إن جملة «إيفان» جملة توقعية شرطية وليس إقرار واقع، فهو لم يقل إن الله غير موجود، بل قال: إذ لم يكن، كما أنه لم يناقش الفكرة، ولم يثبتها أو ينفيها، بل ظلت مجرد سؤال: إن لم يكن الله موجوداً، فإن كل شىء مباح، وهى مقولة شرطية توقعية.

وقلت أيضاً إن «سمردياكوف» هو الذى ألحد أو ادعى الإلحاد، واعتقد أن الله غير موجود، وقام بتطبيق جواب الشرط، وذلك بقتل والده، إذ إن غياب الله يبيح كل شىء حتى الجريمة، وهو قد قام بالجريمة، أما «إيفان» فقد كان إلحاده سطحيا أو لفظيا لا اعتقاديا، تماماً مثلما فعل الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر، عندما طرأت فى ذهنه فكرة غياب الله، فأعجبته الفكرة بشدة، وتبناها كفكرة، حتى إنه فى مسرحية «الذباب» حاول اختبار الفكرة، بالقضاء على جميع طقوس العبادات والحلال والحرام، ولكنه فشل فى النهاية واعترف بوجود الله، وقال له: أنت الله وأنا حر، أنت الخالق لكنني سأتحرر ولن ألتزم بطقوسك وعباداتك.

وبالنسبة لى فقد طرحت سؤالاً توقعياً مثل سؤال «إيفان»، والفرق بين السؤالين: أن «إيفان» قد اشترط على غياب الله (التوقعي أو الافترضى) إباحة كل شىء، وهى إباحة منطقية: ففى غياب الله أو عدم وجوده أو عدم الاعتراف به يحق للإنسان أن يفعل كل شىء، لأن من يحاسبه ويعاقبه غير موجود.

سؤالي وجهته لنفسي ولكل إنسان يؤمن بالله ويلتزم بالحلال والحرام: ماذا لو اكتشفت، فى الآخرة بعد الموت، أن الله غير موجود؟، ماذا ستفعل؟، وبالطبع الإجابة مؤجلة إلى بعد الموت، وهو ما يعنى أن السؤال التوقعي أو الافتراضى لا يترتب عليه أى شىء بالحياة، ولا يدفع الإنسان إلى عدم الاعتراف، وقد يساعده على تقوية إيمانه، مثل النبى «إبراهيم» عندما طلب من ربه آية، ليس لأنه لا يعترف بوجود الله، بل لكي يطمئن قلبه.

[email protected]